واستدلوا بحديث ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «حُجِّي واشْتَرِطِي» ([11]).
ووجه الدلالة: أنه إذا كان الشرط يؤثر في الإحرام وهو ألزم العبادات بالشروع فالاعتكاف من باب أولى ([12]).
وذهبت المالكية إلى أنه لا يجوز الشرط في الاعتكاف، ولا يصح لو اشترطه، قال الإمام مالك: "لم أسمع أحداً من أهل العلم يذكر في الاعتكاف شرطاً، وإنما الاعتكاف عمل من الأعمال مثل الصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك من الأعمال، ما كان من ذلك فريضة أو نافلة، فمن دخل في شيء من ذلك فإنما يعمل بما مضى من السُّنة، وليس له أن يحدث في ذلك غير ما مضى عليه المسلمون، لا من شرط يشترطه ولا يبتدعه" ([13]).
وقول الإمام مالك قوي في نظري، لأن الاعتكاف عبادة، والعبادات توقيفية، والمرجع في أحكام الاعتكاف إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اعتكف مَرَّات عديدة، ولم يُنقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه اشترط في اعتكافه، وقد كان يخرج لحاجته، ولم يرد أنه كان يشترط ذلك، ثم إن الخروج الزائد على حاجة الإنسان التي لا بد منها بناءً على الشرط ينافي الاعتكاف لغة وشرعاً، والله أعلم.
5 - إذا جامع المعتكف زوجته فسد اعتكافه، لقوله تعالى (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد)) [البقرة:187] أي: لا تجامعوهن، والنهي يقتضي الفساد، وهو قول جمهور المفسرين.
قال ابن عباس رضي الله عنه: «إذَا جَامَعَ المُعْتَكِفُ بَطل اعْتِكَافُهُ واسْتَأنَف» ([14]) وليس عليه كفارة لعدم ورودها.
وكذا لو أنزل بمباشرة أي: دون الفرج، فسد اعتكافه باتفاق الأئمة، لأن هذا ينافي حقيقة الاعتكاف، فإن باشر ولم يُنْزل لم يفسد اعتكافه، وهذا قول الجمهور ([15]). فإن أنزل بنظرة أو باحتلام أو بتفكر لم يبطل اعتكافه، لكن إن كرر النظر فأنزل فالقول ببطلانه قوي ([16])، فإن كانت المباشرة بغير شهوة لم تبطل الاعتكاف اتفاقاً، «لأنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُخرِجُ رَأسَهُ لِعَائِشَةَ ل فَتُرَجِّلُهُ» ([17]).
وأما وظيفة المعتكف، فهي أن يشتغل بالقُرَبِ والطاعات، وهي كل ما يُتَقَرَّبُ به إلى الله تعالى من الأعمال الصالحة من صلاة، وذكر، وقراءة، وصيام، وصدقة، وغير ذلك. وعلى المعتكف أن يُدرك حكمة الاعتكاف، فيقضي وقته بما ينفعه ويفيده، وله أن يطلب العلم، ويقرأ في كتب التوحيد، والتفسير، والحديث وغيرها من الكتب المفيدة في بعض الأوقات، ما لم يشغله ذلك عن العبادة الخاصة.
وأما الاشتغال بما يتعدَّى نفعه كتعليم القرآن أو تدريس الفقه أو الحديث ونحوهما، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، والأولى تركه مدة الاعتكاف إلا شيئاً يسيراً، كإفتاءٍ أو شرح مسألة ونحو ذلك ([18]).
وعليه أن يجتنب ما لا يعنيه ولا يهمه من الأقوال والأفعال، وهذا مطلوب من المعتكف وغيره، لقوله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ» ([19]). فيجتنب المعتكف ما لا يعنيه من المباحات، كاللعب والهزل وفضول الكلام.
ومن الأخطاء التي يقع فيها بعض المعتكفين:-
ـ عدم إدراك معنى الاعتكاف وحكمة مشروعيته، فترتب على هذا تفريط كثير من المعتكفين بقدر كبير من الطاعات التي يعتبر الاعتكاف فرصة للقيام بها.
ـ كثرة النوم بالنهار والسهر بالليل في غير طاعة عدا الصلاة مع الإمام وقت التهجد، وهذا خلاف ما ينبغي للمعتكف، وهو تقليل النوم وحفظ الأوقات بالاستفادة منها، لأنها أيام قلائل.
ـ المبالغة في استعمال الهاتف النقال في غير فائدة، وأنا أرى أن الاعتكاف لا تتحقق حكمته ويحصل المقصود منه مع وجود الهاتف النقال بالصورة الموجودة الآن، ويمكن للمعتكف أن يتصل بأهله عند الحاجة بالطريقة التي يراها.
ـ كثرة التنقل داخل المسجد من مجموعة إلى مجموعة، والإكثار من فضول الكلام وما لا فائدة فيه، مما يكون سبباً في إضاعة الوقت والتفريط في الدقائق الغالية. أما التحدث أحياناً مع بعض المعتكفين أو مع الأهل فهذا لا بأس به، لما ثبت في الصحيحين من أن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم صفية رضي الله عنها زارت النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه وتحدث معها [20].
ـ عدم وضوح جانب التعبد لدى كثير من المعتكفين، ولاسيما الإكثار من تلاوة القرآن وصلاة النفل.
¥