تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[المسيطير]ــــــــ[02 - 11 - 06, 09:28 م]ـ

خامساً: تعاضد الكراسي:

ما من شك في أن الجماعة رحمة، والفرقة عذاب، هذا هو الأصل، وبالأخص فيما يتعلق بالفتيا العامة، التي يصدر الناس جميعاً عنها، وقد قال الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ لابن مسعود وأبيٍّ ـ رضي الله عنهما ـ حين اختلفا في مسألة: (فعن أي فتياكما يصدر الناس) [ابن أبي شيبة (3188)].

وما أحسن ما نزع به الفقيه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني صاحب الشافعي في كتابه: فساد التقليد، حين اقترح طريقةً لفض النزاع بين فقهاء العصر، بأن يجمعهم الإمام، فيناظرهم في أدلتهم، "ويأمرهم بالإنصاف والمناصحة، ويحضهم على القصد به إلى الله، فإن الله تعالى يقول: "إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا" [سورة النساء (35)]، فبذلك يتبين لهم النظر للكتاب والسنة "اهـ[نقله عنه: البحر المحيط؛ للزركشي (6/ 232)].

ومن لطيف ما يُستفاد من اللسان العربي أن لفظ " كرسي " غير مهموزٍ، بل يُنطق بالياء، كما قرره أبو محمد ابن قتيبة، خلافاً لمن زعم عكس ذلك [تأويل مختلف الحديث (80) قلتُ: فاللائق بأهل العلم أن يُصانوا عن " الهمز " واللمز، وأن يربؤوا هم بأنفسهم أيضاً عن كل ما يُعتذَرُ منه.

ألا ما أحسن التواضع وخفض الجناح بين أهل العلم، وما أقبح التعسف والتكلف والتمادح بينهم، بحيث يتشبع كل واحدٍ منهم بالقدح في أخيه، ولنعم ما قال التوحيدي في الهوامل: "أقبِحْ بالتكلّف، خاصةً بذي اللّسَن العالم "اهـ.

ولهذا كانوا يحذرون من القليل من الملاسنة الشخصية، مما نشهده في بعض وسائل إعلامنا، قال الإمام الشافعي: "المراء في العلم يقسي القلب، ويورث الضغائن" [تهذيب الأسماء واللغات؛ للنووي (1/ 54)].

إن من سعادة الأمة أن يسود بين علمائها الحب والتعاون على البر والتقوى، ولئن كان الأطباء قد تواطؤوا على أن يحترم كل واحدٍ منهم الآخر، واشترعوا لهم قسَماً يتعهد فيه الطبيب بأن يحترم زملاء المهنة، فإن أهل العلم والفتيا أولى وأولى.

ـ[المسيطير]ــــــــ[02 - 11 - 06, 09:30 م]ـ

سادساً: سماحة الكرسي:

ما أحسن العلم ينضاف إليه حلمٌ، وما أنفع الفقه الواسع ينضمُّ إليه الأفق الشاسع، وما أحسن ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ: "لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه، أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم "اهـ[رسالة في مبحث الاجتهاد؛ للشيخ محمد بن عبد الوهاب (14)].

لقد كان أهل العلم يختارون لطالب العلم أن يتسع في العلم، ويستبحر في فنونه، قبل أن يتصدر للإفتاء العامة، فيبيح حيث تصح الإباحة، ويمنع إذ يستقيم المنع.

ومع ذلك فمقتضى الرفق بالعامة وضعفاء الإيمان أخذهم بالمفضول دون الفاضل في كثير من الأحيان، وربما كان هذا هو الأصلح لهم كما قرره أبو العباس ابن تيمية، وقال الإمام البخاري: "كان صلى الله عليه وسلم يحب التخفيفَ واليسرَ على الناس "اهـ[صحيح البخاري (5/ 2269)].

سابعاً: تلون الكرسي:

الأصل في مقام العالم أن يكون مستقراً ثابتاً، بثبات ما يحمله من العلم، ولما كان المنتسبون إلى العلم متفاوتين في الرَّزانَة العلمية؛ فرَّق الله تعالى بين الراسخين في العلم وغيرهم، فلأولئك ما ليس لهؤلاء من الدرجة.

والراسخ في العلم هو المتصرف فيه باقتدار، الآخذ في فنونه بالتوثق، فأما المتنقل بغير توثق فهو: المتلون.

وفرقٌ بين المتصرِّف والمتلون، وفضل ما بينهما كما بين الفقيه والجاهل، وربما خلَطَ بينهما من لم يقم بهذا الشأن حقَّ القيام.

فالمتلون: لجوجٌ مسارِعٌ، ذو بَدَواتٍ وشطحات، مرتاب شكَّاك، متوثِّبٌ متنقل.

والراسخ: هو المكين فيه، القائل فيه بعد إجالة النظر، وامتحان الآراء والأقاويل، فهذا هو الذي لم تكُ تصلح إلا له، ولم يكُ يصلح إلا لها.

وليس الشأن في الراسخ أن لا يستشكل ولا يورد ولا يعترض، بل قد يكون الاستشكال والاعتراض محمودين، لكن لا يكون اللجاج إلا مذموماً.

والتلوُّن: أن تكون سرعة رجوعه عن الصواب، كسرعة رجوعه عن الخطأ واللجاج، وأن يكون ثبات عزمه على إمضاء الخطأ الضار، كثبوت عزمه على إمضاء الصواب النافع، كما يقول الجاحظ في [البرصان والعرجان].

بهذه الدعائم تبقى هيبة العلم، ومكانة كرسي الفتيا، ولو خلا من صاحبه حيناً من الدهر، فستبقى لهذا الغَيلِ ـ الكرسيِّ ـ هيبتُه ووقارُه، ولقد قال بعض الشعراء، وقد جاز على قصرٍ من قصور الخلافة:

قَصْرَ الخِلافَةِ لا أُخْلِيتَ مِنْ كَرَمٍ

وَإِنْ خَلَوْتَ مِنَ الأَعْدَادِ وَالعُدَدِ

جُزْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَنْقُصْ مَهَابَتُهُ

وَالغَيْلُ يَخْلُو وَتَبْقَى هَيْبَةُ الأَسَدِ

والله تعالى أعلم وأحكم.

http://www.almoslim.net/articles/show_article_main.cfm?id=1775

ـ[تقويم النظر]ــــــــ[03 - 11 - 06, 02:39 م]ـ

سبحان من فاوت بين الخلق في هممهم، حتى ترى بين الهمتين أبعد مما بين المشرقين والمغربين. بل أبعد مما بين أسفل سافلين وأعلى عليين.

وتلك مواهب العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير