لم تنهض لمقاومة المحتل إلا مع النهضة السلفية في مطلع العصر الحديث وأصبح لكل بقعة من بقاع المسلمين حظ من مقاومة المحتل بقدر حظه من التأثر بالفكر السلفي وبعده عن الانعزالية الصوفية وقد وصل التأثير السلفي إلى الصوفية نفسها حيث شهد مطلع العصر الحديث تأسيس طرق صوفية حاولت الجمع بين تزكية النفس الصوفية والالتفات إلى العمل الإسلامي والذي هو من مقومات الفكر السلفي كما حدث في ليبيا وتأسيس الطريقة السنوسية.
إذا فأعداء الإسلام لهم تجارب غير محمودة مع السلفية جعلت محاربة الفكر السلفي وتشويهه ودعم خصومه من أهم ما تعمل عليه من استراتيجيات في المنطقة.
(3)
فإذا كان الشيعة يبشرون بقتلنا مع إماهم المزعوم كما يبشر بذلك اليهود والنصارى مع ملك آل داود وإذا كانوا يروننا أخبث وأنجس من اليهود وإذا كانت مصالحهم تلتقي أو تتقاطع ضدنا مع اليهود والنصارى فهل ما يحدث بينهم من عداوة وسجال تمثيلية كما يقول البعض؟
إن للقائلين بأن ما يحدث هو تمثيلية مبررات لا يمكن أن نستهجنها أو نستهين بها لا سيما وأن العصر الحديث قد كشف لنا عددا من مسرحيات العدواة التي سالت فيها دماء حقيقية ثم تبين بعد عقود أنها كانت مسرحيات هادفة , وليس أقلها خطرا مسرحية ثورة اليهود الهاجانا على الانتداب البريطاني في فلسطين والتي خرجت على إثرها الدولة المنتدبة لتسلم البلد للثوار اليهود سنة 1948 وذلك بطريقة قانونية شكلا , دولة منتدبة سلمت البلد للثوار هكذا وبكل بساطة.
كما ظهر جليا من خلال كتابات وليم كار ورجاء جارودي أن المذابح التي لحقت باليهود على يد الألمان كانت مسرحية كبيرة أريقت فيها دماء كثيرة لكنها مع هذه الدماء ظلت مسرحية هادفة.
إذا فالقول بأنها تمثيلية ليس قولا سقيما كما يحلو للبعض أن يصوره لكنه مع توجهه ليس حتى هذه الساعة القول الذي أميل إليه.
ذلك أن التمثيليات الخطيرة من هذا النوع والتي تراق فيها الدماء ويعبث فيها بعقول الشعوب ومقدراتهم يكون فيها عادة من الإحكام والسرية ما يجعل فضحها أمرا يحتاج إلى عقود طويلة من الزمن ويظل القول بها نوعا من التخرص الذي يبعد بصاحبه عن الحلول الواقعية ويدخل به في حمأة جدال لا ينتهي ثم لا يصل معه إلى أكثر من كونها توقعات , هذا ما لا نريده.
ونحن وإن قلنا في الشيعة واليهود ما قلنا فلا شك أنهما أمتان متغايرتان متعاديتان لكل واحدة منهما مصالح وإن تقاطعت مع مصالح الأخرى أو ربما توافقت فترة من الزمن أو في جانب معين إلا أنها لا يمكن أن تتطابق كما لا يمكن أن تتطابق مصالح أي أمتين على هذه البسيطة.
فما يحدث هو عداوة حقيقية ولكن لا بأس للأعداء تمكين بعضهم لبعض وذلك في الأمور التي يخسر الفريقان إذا اتخذا فيها مواقف متغايرة.
فالحرب الأخيرة مثلا كانت حربا حقيقية لكن الفريقين سارا فيها سيرة تحقق لكل منهما ما يريده من مكاسب.
أما اليهود فقد أوقعوا بالحزب من الخسائر المادية والبشرية ما يكفل لهم أمن جانبه ولمدة سنوات عديدة , ولم يجهزوا عليه لأن موته يعني وحدة الدولة اللبنانية وقوة السنة في هذه الدولة وهي قوة لا يريدونها في حدودهم الشمالية بعد أن ذاقوا الأمرين منها لدى السنة في فلسطين في الجنوب والوسط والعرب السنة داخل حدود الثمانية والأربعين الذين تذكر التقارير أنهم بالرغم من محاولات اليهود الجادة منذ إنشاء الكيان الصهيوني لاستيعبهم إلا أن التدين والروح الجهادية والعدائية لليهود تنموا بينهم مع إشراقة كل صباح.
كما أن كيانهم محاط بدول سنية فكان من مصلحتهم أن يوجدوا لأنفسهم منفذا شيعيا في الشمال يرون أنه وإن عاداهم إلا أن هذا العداء يمكن استيعابه على عكس العداء السني.
واستفاد حزب الله أن ظهر بمظهر المنتصر الصامد أمام العدو الصهيوني في وقت يبحث فيه المسلمون عن قيادات دينية تحقق نصرا , وهذا ما أكسب الشيعة قبولا بين السنة حتى المثقفون منهم بل وصل القبول للشيعة إلى حد إعجاب كثير من السلفيين بمنجزات الحزب ضد إسرائيل وهو أمر لم يكن الشيعة ليحلموا به لولا مثل هذا النصر.
وقد سارع الشيعة في استغلال هذا الموقف فكثفوا من الدعوة إلى التشيع في هذه الفترة الوجيزة وحققوا مكاسب فعلية ولا أعني بذلك استقطاب كثيرين إلى التشيع , بل تأسيس أرضية لقبول الاستماع بإنصات إلى دعاة الشيعة وهو مكسب لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه إنجاز خطير لم يكن ليتم لولا هذه الحرب ولمعان حزب الله الجهادي , الذي استحق عند كثير من السنة لقب صلاح الدين العصر الحديث (ليته كذلك)
وهو إنجاز جعل أحد رموز السنة وهو الشيخ يوسف القرضاوي والمعروف عنه التساهل في أحكامه ضد الشيعة , أقول: إن هذا الإنجاز جعله يصرخ محذرا من المد الشيعي في مصر واستغلال الشيعة حب المصريين لرسول الله وآله ليحولوهم إلى المذهب الشيعي.
وجاءت تقارير من سوريا تحذر من تغلغل شيعي بين الأكثرية السنية السورية.
هذه بعض التأملات في الواقع الشيعي الحاضر أسأل الله أن ينفع بها ويحق الحق بكلماته إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
¥