[دوام المنكر أو كثرته لا تغير حكمه]
ـ[أبو فاطمة الحسني]ــــــــ[04 - 11 - 06, 06:24 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله,
هناك شيء لا حظته على بعض المفتين وبعض من يدور معه نقاشات حول بعض المسائل من طلبة العلم, وهو أنه يتراجع أمام ضغط الواقع وتفشي المنكر عن القول بتحريمه, ويلجأ للتسهيل فيه, وقد يحاول أن يصبغ كلامه بصبغة شرعية فيقول: (عمت به البلوى)!
ويكثر ذلك على وجه الخصوص في باب نواقض الإسلام, حيث تجد بعضهم يحاول التلاعب بأحكام الإيمان أو الطعن والتأويل لإجماعات أهل العلم على نواقض معينة حتى لا يلزم من ذلك أن سوادا من المسلمين وقعوا في هذا الناقض أو ذاك - طبعا الكلام عن الوقوع في الناقض لا عن إيقاع حكمه على المعين - مع أن الإجماع لا يأول كما هو مقرر عند أهل العلم.
وقد وقفت على كلام جميل للونشريسي (في الجزء الثاني ص 251 - 252 من المعيار المعرب) تحدث فيه عن هذه القضية في معرض كلامه عن الكنائس التي كان يحدثها اليهود في بعض البلاد المغربية ووجوب هدمها, فكان مما قاله:
" كما لا حجة لهم في وجود ذلك كثيرا في البلاد الكبيرة, لأن دوام المنكر أو كثرته لا يغير حكمه, إذ لا منكر أعظم من قتل الصلاة الموجب للقتل كفرا أو حدا, وقد استمر كثير من الناس عليه غرباء وشرفاء ولم يغير ذلك حكمه, إذ لم يزل العلماء قديما وحديثا ينصون على وجوب قتله إما كفرا أو حدا, ولا عبرة عندهم بكثرة وجوده .. ولا ينكر النصوص المقتضية لذلك ويدفع في نحرها إلا من هو مكذب للشريعة ساع في هدمها, أعاذنا الله من الخذلان, والمروق عن دين المبعوث من خير بيت في معد بن عدنان ... "
وأعجبني قوله: ساع في هدمها. ووجه الهدم هنا هو أن طرد كلام هؤلاء الخاضعين لتفشي المنكر يفضي إلى هدم الشريعة وتغيير أحكامها والعياذ بالله, وهذا ما وقع عند بعض من يسمى بالعصرانيين, حيث أنهم رضخوا للواقع وبدلوا الشرع ليتفق مع ضغطه, وصيروه نسخة عربية - والعياذ بالله - من نظريات المستكبرين في الأرض من دعاة الحرية المزعومة, وهو داء بدأ يستشري في كثير من الأوساط العلمية التي بدأت تنحرف شيئا فشيئا عما كانت تفاخر به من مبادئها وثوابتها
وهل غاصت أقدام كثير من القبورية في أوحال الشرك إلا من ملاحظة هذا المعنى, وهل كانت حجتهم إلا أن دفعوا بوجه الموحدين بأن دعاء الأولياء هي طريقة أكثر المسلمين, فهل من متدبر في حال كثير من المنتسبين للعلم كيف صارت تلك حجتهم في تبرير كثير مما يقولون به اليوم, وكانوا بالأمس لقائليه مسفهين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين