تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فائدة قيمة جدا في قاعدة " الدَّلِيْلَ إذا تَطرَّقَ إليْهِ الاحْتِمَالُ ... "

ـ[علي الفضلي]ــــــــ[12 - 11 - 06, 11:31 ص]ـ

قال الشيخ عبدالعزيز الراجحي -حفظه الله تعالى- في كتابه الماتع "مجانبة أهل الثبور":

وَأَمّا قوْلُ المعْتَرِض ِ: (وَمِمّا هُوَ مَعْلوْمٌ لدَى طلبةِ العِلمِ: أَنَّ الدَّلِيْلَ إذا تَطرَّقَ إليْهِ الاحْتِمَالُ، بطلَ الاسْتِدْلالُ به) اه.

فإطلاقهُ بَاطِلٌ، وَإطلاقهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُوْل ِأَهْل ِ البدَعِ وَالضَّلال ِ، مِمَّنْ أَرَادُوْا إهْجَانَ السُّنَّةِ، وَإبْطالَ الأَدِلةِ، وَإفسَادَ الدِّين ِ، وَإغوَاءَ المهْتَدِيْن.

فإنهُ لا يَخْلوْ دَلِيْلٌ لا فِي الكِتابِ وَلا فِي السُّنَّةِ، إلا َّ وقدْ أُوْرِدَ عَليْهِ احْتِمَالٌ، إمّا مِنْ مُهْتَدٍ أَوْ مِنْ مُبْطِل ٍ، سَوَاءٌ كانَ ذلِك َ الاحْتِمَالُ صَحِيْحًا أَمْ فاسِدًا.

وَلوْ سُلمَ إطلاقُ هَذِهِ القاعِدَةِ: لمَا صَحَّ لنا وَلا لِغيْرِنا أَنْ يَسْتَدِلَّ بأَيِّ دَلِيْل ٍ، أَوْ يَحْتَجَّ بأَيِّ حُجَّةٍ، لِتطرُّق ِ احْتِمَال ٍ مِنَ الاحْتِمَالاتِ عَليْهَا! إمّا فِي أَصْلِهَا، أَوْ فِي تأْوِيْلِهَا وَمَعْنَاهَا، وَحِيْنَذَاك َ يَبْطلُ الدِّينُ، وَتسْقط ُ الشعَائِرُ، وَيحْصُلُ لِلزَّنادِقةِ مَا أَملوْهُ وَرَجَوْه.

وَمُرَادُ مَنْ ذكرَ هَذِهِ القاعِدَة َ مِنَ العُلمَاءِ، وَمَعْنَاهَا الصَّحِيْحُ عِنْدَهُمْ: أَنَّ الاحْتِمَالاتِ الوَارِدَة َ عَلى الأَدِلةِ ثلاثة ُ أَنوَاعٍ:

• اِحْتِمَالٌ وَهْمِيٌّ مَرْجُوْحٌ،

• وَاحْتِمَالٌ رَاجِحٌ،

• وَاحْتِمَالٌ مُسَاوٍ.

فالاحْتِمَالُ الأَوَّلُ: لا اعْتِبَارَ بهِ، وَلا تأْثِيْرَ له.

وَالاحْتِمَالُ الثانِي: يَجِبُ المصِيْرُ إليْهِ، وَالتَّعْوِيْلُ عَليْه.

وَأَمّا الاحْتِمَالُ الثالِثُ: فهُوَ الذِي يُسْقِط ُ الاسْتِدْلالَ بذَلِك َ الدَّلِيْل ِ عَلى ذلِك َ الاحْتِمَال ِ المسَاوِي لا غيرِهِ، لاسْتِوَاءِ طرَفيْهِ، وَهُوَ مُرَادُ مَنْ أَطلقَ هَذِهِ القاعِدَة َ مِنَ الأَئِمَّةِ لا سِوَاه.

وَقدْ بيَّنَ أَبوْ العَبّاس ِ القرَافيُّ (ت684ه) في «الفرُوْق» (2/ 87): الفرْقَ بَيْنَ هَذِهِ القاعِدَةِ السّابقةِ «حِكاية ُ الحال ِ إذا تطرَّقَ إليْهَا الاحْتِمَالُ، سَقط َ بهَا الاسْتِدْلال»، وَبيْنَ قاعِدَةِ «حِكاية ُ الحال ِ، إذا ترِك َ فِيْهَا الاسْتِفصَالُ، تقوْمُ مَقامَ العُمُوْمِ في المقال ِ، وَيَحْسُنُ بهَا الاسْتِدْلال»، بقوْلِهِ: (وَتَحْرِيْرُ الفرْق ِ بَيْنَهُمَا، ينبنِي عَلى قوَاعِدَ:

القاعِدَة ُ الأُوْلىَ: أَنَّ الاحْتِمَالَ المرْجُوْحَ، لا يَقدَحُ في دَلالةِ اللفظِ، وَإلا َّ لسَقطتْ دَلالة ُ العُمُوْمَاتِ كلهَا، لِتطرُّق ِ احْتِمَال ِ التَّخْصِيْص ِ إليْهَا.

بَلْ تَسْقط ُ دَلالة ُ جَمِيْعِ الأَدِلةِ السَّمْعِيَّةِ، لِتَطرُّق ِ المجَازِ وَالاشْتِرَاكِ إلىَ جَمِيْعِ الأَلفاظ.

لكِنَّ ذلِك َ باطِلٌ، فتعَينَ حِيْنَئِذٍ: أَنَّ الاحْتِمَالَ الذِي يُوْجِبُ الإجْمَالَ، إنّمَا هُوَ الاحْتِمَالُ المسَاوِي، أَوِ المقارِبُ، أَمّا المرْجُوْحُ: فلا.

القاعِدَة ُ الثانِيَة ُ: أَنَّ كلامَ صَاحِبِ الشَّرْعِ، إذا كانَ مُحْتَمِلا ً احْتِمَاليْن ِ عَلى السَّوَاءِ: صَارَ مُجْمَلا ً، وَليْسَ حَمْلهُ عَلى أَحَدِهِمَا أَوْلىَ مِنَ الآخَر).

ثمَّ قالَ القرَافِيُّ (2/ 88): (فحَيْثُ قالَ الشّافِعِيُّ رَضِيَ الله ُعَنْهُ: «إنَّ حِكاية َ الحال ِ، إذا تَطرَّقَ إليْهَا الاحْتِمَالُ، سَقط َ بهَا الاسْتِدْلال»: مُرَادُهُ إذا اسْتَوَتِ الاحْتِمَالاتُ في كلامِ صَاحِبِ الشَّرْع) اه.

وَقدْ تَعَقبَ أَبو القاسِمِ ابْنُ الشّاطِ (ت723ه) أَبا العَبّاس ِ القرَافِيَّ في قوْلِهِ السّابق ِ «فتعيَّنَ حِيْنَئِذٍ أَنَّ الاحْتِمَالَ الذِي يُوْجِبُ الإجْمَالَ، إنّمَا هُوَ الاحْتِمَالُ المسَاوِي، أَوِ المقارِبُ، أَمّا المرْجُوْحُ: فلا» فقال: (إيْجَابُ الاحْتِمَال ِ المسَاوِي الإجْمَالَ: مُسَلم.

وَأَمّا إيْجَابُ المقارِبِ: فلا، فإنهُ:

• إنْ كانَ مُتَحَققَ المقارَبةِ: فهوَ مُتَحَققُ عَدَمِ المسَاوَاة.

• وَإنْ كانَ مُتَحَققَ عَدَمِ المسَاوَاةِ: فهُوَ مُتَحَققُ المرْجُوْحِيَّةِ: فلا إجْمَال) اه.

قلتُ: الذِي يَظهَرُ لِي: أَنَّ مُرَادَ القرَافِيِّ مِنْ قوْلِهِ «الاحْتِمَالُ المقارِبُ»: مَا كانَ مُقارِبا لِلمُسَاوِي مُقارَبة ً شدِيدَة ً، بحيْثُ يَكوْنُ رُجْحَانهُ عَلى غيْرِهِ دَقِيْقا خفِيْفا، لا يُصَارُ إليْهِ، وَلا يُرَجَّحُ بهِ عَليْهِ، لِخِفةِ مُرَجِّحِهِ عَلى غيْرِهِ، فيبْقى مُقارِبا

شبيْهًا باِلمسَاوِي، وَالله ُ أَعْلم.

وَقدْ سَأَلتُ شَيْخَنَا العَلامَة َ، عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَن ِ ابنَ غدَيان حَفِظهُ الله ُ، وَبارَك َ فِيْهِ وَفي عِلمِهِ: عَنْ صِحَّةِ إطلاق ِ تِلك َ القاعِدَةِ السّابقةِ فقالَ: (لا يَصِحُّ إطلاقهَا، وَإنّمَا هِيَ صَحِيْحَة ٌ في صُوْرَةٍ وَاحِدَةٍ: إذا كانَ الاحْتِمَالُ مُسَاوِيا.

أَمّا إذا لمْ يَكنْ مُسَاوِيا: فكانَ رَاجِحًا: وَجَبَ المصِيْرُ إليْهِ. أَوْ مَرْجُوْحًا وَهْمِيا: وَجَبَ اطرَاحُهُ وَترْكهُ، وَلا تأْثِيْرَ له.

وَإطلاقهَا كإطلاق ِ النّاس ِ لِقاعِدَةِ «دَرْءُ المفاسِدِ، مُقدَّمٌ عَلى جَلبِ المصَالِحِ»، مَعَ أَنَّ هَذِهِ القاعِدَة َ، لا تصِحُّ إلا َّ فِي صُوْرَةٍ وَاحِدَةٍ فقط، وَهِيَ إذا تسَاوَتِ المفسَدَة ُ وَالمصْلحَة.

ثمَّ ذكرَ الشَّيْخُ حَفِظهُ الله ُ: أَنَّ أَحْسَنَ مَنْ رَآهُ تَكلمَ عَلى تِلك َ القاعِدَةِ الأُوْلىَ السّابقةِ: القرَافِيُّ في «الفرُوْق» وَأَوْفاهَا شَرْحًا، وَقدْ قدَّمْنَا شَيْئًا مِنْ كلامِهِ فِيْهَا رَحِمَهُ الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير