تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفصل الخطاب في ذلك: أن يقال: الآية تتضمن الأمرين جميعاً وتنتظمهما انتظاماً واحداً. فإن الرسول هو المبلغ عن الله كلامه وليس فيه إلا البلاغ. والكلام كلام الرب تبارك وتعالى فهو الذي حمد نفسه وسلم على عباده. وأمر رسوله بتبليغ ذلك، فإذا قال الرسول: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} كان قد حمد الله وسلم على عباده بما حمد به نفسه، وسلم به هو على عباده. فهو سلام من الله ابتداء ومن المبلغ بلاغاً، ومن العباد اقتداء وطاعة، فنحن نقول كما أمرنا ربنا تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى}.

391

ونظير هذا قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فهو توحيد منه لنفسه وأمر للمخاطب بتوحيده، فإذا قال العبد: {قُلْ هُوَ الله أَحَدْ} كان قد وحد الله بما وحد به نفسه وأتى بلفظة: (قل) تحقيقاً لهذا المعنى. وأنه مبلغ محض قائل لما أمر بقوله .. والله أعلم. وهذا بخلاف قوله: {قُلْ أَعُوْذُ بِرَبِّ النَّاسْ} [الناس: 1]، فإن هذا أمر محض بإنشاء الاستعاذة لا تبليغ لقوله أعوذ برب الناس، فإن الله لا يستعيذ من أحد، وذلك عليه محال بخلاف قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فإنه خبر عن توحيده وهو سبحانه يخبر عن نفسه بأنه الواحد الأحد، فتأمل هذه النكتة البديعة والله المستعان.

فصل: (عليك السلام) تحية الموتى

وأما السؤال الثامن عشر: وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم من قال له عليك السلام عن ذلك وقال: لا تقل عليك السلام فإن عليك السلام تحية الموتى، فما أكثر من ذهب عن الصواب في معناه وخفي عليه مقصوده وسره. فتعسف ضروباً من التأويلات المستنكرة الباردة ورد بعضهم الحديث وقال: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تحية الموتى: ، قالوا: وهذا أصح من حديث النهي. وقد تضمن تقديم ذكر لفظ السلام فوجب المصير إليه.

وتوهمت طائفة أن السنة في سلام الموتى أن يقال: عليكم السلام. فرقاً بين السلام على الأحياء والأموات وهؤلاء كلهم. إنما أتوا ما أتوه من عدم فهمهم لمقصود الحديث. فإن قوله صلى الله عليه وسلم: ليس تشريعاً منه وإخباراً عن أمر شرعي. وإنما هو إخبار عن الواقع المعتاد الذي جرى على ألسنة الشعراء والناس. فإنهم كانوا يقدمون إسم الميت على الدعاء كما قال قائلهم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم=== ورحمته ما شاء أن يترحما

وقول الذي رثى عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

392

عليك سلام من أمير وباركت=== يد الله في ذاك الأديم الممزق

وهذا أكثر في أشعارهم من أن نذكره هاهنا، والإخبار عن الواقع لا يدل على جوازه فضلاً عن كونه سنة، بل نهيه عنه مع إخباره بوقوعه يدل على عدم مشروعيته.

*السنة في السلام تقديم لفظه على لفظ المسلم عليه:

وأن السنة في السلام تقديم لفظه على لفظ المسلم عليه في السلام على الأحياء وعلى الأموات فكما لا يقال في السلام على الأحياء: عليكم السلام، فكذلك لا يقال في سلام الأموات كما دلت السنة الصحيحة على الأمرين، وكأن الذي تخيله القوم من الفرق، أن المسلم على غيره لما كان يتوقع الجواب، وأن يقال له: وعليك السلام بدءوا باسم السلام على المدعو له توقعاً لقوله وعليك السلام، وأما الميت فما لم يتوقعوا منه ذلك قدموا المدعو له على الدعاء، فقالوا عليك السلام.

وهذا الفرق لو صح كان دليلاً على التسوية بين الأحياء والأموات في السلام، فإن المسلم على أخيه الميت يتوقع الجواب أيضاً.

قال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ، وبالجملة .. فهذا الخيال قد أبطلته السنة الصحيحة.

*تشريع السلام على الأحياء والأموات:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير