تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالجواب عنه: أن يقال لما كان الإنسان لا سبيل له إلى انتفاعه بالحياة إلا بثلاثة أشياء: أحدها: سلامته من الشر، ومن كل ما يضاد حياته وعيشه. والثاني: حصول الخير له. والثالث: دوامه وثباته له، فإن بهذه الثلاثة يكمل انتفاعه بالحياة.

شرعت التحية متضمنة للثلاثة، فقوله: سلام عليكم يتضمن السلامة من الشر وقوله: ورحمة الله يتضمن حصول الخير. وقوله: وبركاته يتضمن دوامه وثباته كما هو موضوع لفظ البركة وهو كثرة الخير واستمراره.

ومن هنا يعلم حكمة اقتران اسمه الغفور باسمه الرحيم في عامة القرآن.

397

ولما كانت هذه الثلاثة مطلوبة لكل أحد، بل هي متضمنة لكل مطالبه وكل المطالب دونها، ووسائل إليها، وأسباب لتحصيلها جاء لفظ التحية دالاً عليها بالمطابقة تارة وهو كمالها، وتارة دالاً عليها بالتضمن، وتارة دالاً عليها باللزوم فدلالة اللفظ عليها مطابقة إذا ذكرت بلفظها، ودلالته بالتضمن إذا ذكر السلام والرحمة فإنهما يتضمنان الثالث، ودلالته عليها باللزوم إذا اقتصر على السلام وحده، فإنه يستلزم حصول الخير وثباته إذ لو عدم لم تحصل السلامة المطلقة. فالسلامة مستلزمة لحصول الرحمة كما تقدم تقريره.

وقد عرف بهذا فضل هذه التحية وكمالها على سائر تحيات الأمم ولهذا اختارها الله لعباده وجعلها تحيتهم بينهم في الدنيا وفي دار السلام.

وقد بان لك أنها من محاسن الإسلام وكماله فإذا كان هذا في فرع من فروع الإسلام، وهو التحية التي يعرفها الخاص والعام فما ظنك بسائر محاسن الإسلام وجلالته وعظمته وبهجته التي شهدت بها العقول والفطر، حتى أنها من أكبر الشواهد وأظهر البراهين الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكمال دينه وفضله وشرفه على جميع الأديان، وأن معجزته في نفس دعوته فلو اقتصر عليها كانت آية وبرهاناً على صدقه وأنه لا يحتاج معها إلى خارق، ولا آية منفصلة، بل دينه وشريعته ودعوته وسيرته من أعظم معجزاته عند الخاصة من أمته حتى أن إيمانهم به، إنما هو مستند إلى ذلك. والآيات في حقهم مقويات بمنزلة تظاهر الأدلة.

ومن فهم هذا انفتح له باب عظيم من أبواب العلم والإيمان، بل باب من أبواب الجنة العاجلة يرقص القلب فيها طرباً ويتمنى أنه له بالدنيا وما فيها.

وعسى الله أن يأتي بالفتح، أو أمر من عنده فيساعد على تعليق كتاب يتضمن ذكر بعض محاسن الشريعة وما فيها من الحكم البالغة والأسرار الباهرة التي هي من أكبر الشواهد على كمال علم الرب تعالى وحكمته ورحمته، وبره بعباده ولطفه بهم، وما اشتملت عليه من بيان مصالح الدارين والإرشاد إليها، وبيان مفاسد الدارين والنهي عنها.

وأنه سبحانه لم يرحمهم في الدنيا برحمة، ولم يحسن إليهم إحساناً أعظم من إحسانه إليهم، بهذا الدين القيم وهذه الشريعة الكاملة، ولهذا لم يذكر في القرآن لفظة المن عليهم إلا في سياق ذكرها كقوله: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164]، وقوله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17]، فهي محض الإحسان إليهم والرأفة بهم، وهدايتهم إلى ما به صلاحهم في الدنيا والآخرة، لا أنها محض التكليف والامتحان

398

الخالي عن العواقب الحميدة التي لا سبيل إليها إلا بهذه الوسيلة فهي لغاياتها المجربة المطلوبة بمنزلة الأكل للشبع والشرب للري، والجماع لطلب الولد، وغير ذلك من الأسباب التي ربطت بها مسبباتها بمقتضى الحكمة والعزة، فلذلك نصب هذا الصراط المستقيم وسيلة وطريقاً إلى الفوز الأكبر والسعادة، ولا سبيل إلى الوصول إليه إلا من هذه الطريق، كما لا سبيل إلى دخول الجنة إلا بالعبور على الصراط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير