تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن عداهم فمحجوب يعلم لا نفوذ له فيه، أو مغرور بحال لا علم له بصحيحه من فاسده والله المسؤول من فضله إنه قريب مجيب، فالكامل من يحكم العلم على الحال فيتصرف في حاله بعلمه، ويجعل العلم بمنزلة النور الذي يميز به الصحيح من الفاسد لا من يقدح في العلم بالحال، ويجعل الحال معياراً عليه وميزاناً، فما وافق حاله من العلم قبله وما خالفه رده ونفاه، فهذا أضل الضلال في هذا الباب، بل الواجب تحكيم العلم والرجوع إلى حكمه، وبهذا أوصى العارفون من شيوخ الطريق كلهم وحرضوا على العلم أعظم تحريض لعلمهم بما في الحال المجرد عنه من الغوائل والمهالك: {وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة: من الآية213).

412

فصل: الثناء على الله في التشهد

وأما السؤال السابع والعشرون: وهو ما الحكمة في ورود الثناء على الله في التشهد بلفظ الغيبة مع كونه سبحانه هو المخاطب الذي يناجيه العبد والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الخطاب مع كونه غائباً؟

فجوابه: أن الثناء على الله عامة ما يجيء مضافاً إلى أسمائه الحسنى الظاهرة دون الضمير إلا أن يتقدم ذكر الاسم الظاهر فيجيء بعده المضمر، وهذا نحو قول المصلي: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة]، وقوله في الركوع: سبحان ربي العظيم وفي السجود: سبحان ربي الأعلى.

وفي هذا من السر أن تعليق الثناء بأسمائه الحسنى هو لما تضمنت معانيها من صفات الكمال ونعوت الجلال فأتى بالاسم الظاهر الدل على المعنى الذي يثنى به ولأجله عليه تعالى ولفظ الضمير لا إشعار له بذلك، ولهذا إذا كان ولابد من الثناء عليه بخطاب المواجهة أتى بالاسم الظاهر مقروناً بميم الجمع الدالة على جمع الأسماء والصفات نحو قوله في رفع رأسه من الركوع: (اللهم ربنا لك الحمد)، وربما اقتصر على ذكر الرب تعالى لدلالة لفظه على هذا المعنى. فتأمله فإنه لطيف المنزع جداً.

وتأمل كيف صدر الدعاء المتضمن للثناء والطلب بلفظة: (اللهم) كما في سيد الاستغفار: ... الحديث. وجاء الدعاء المجرد مصدراً بلفظ الرب نحو قول المؤمنين: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران:147]، وقول آدم: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: 23]، وقول موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: 16]، وقول نوح: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود: 47]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: .

وسر ذلك أن الله تعالى يسأل بربوبيته المتضمنة قدرته وإحسانه وتربيته عبده وإصلاح أمره ويثنى عليه بإلاهيته المتضمنة إثبات ما يجب له من الصفات العلى والأسماء الحسنى وتدبر طريقة القرآن تجدها كما ذكرت لك.

فأما الدعاء فقد ذكرنا منه أمثلة وهو في القرآن حيث وقع لا يكاد، يجيء إلا مصدراً باسم الرب.

وأما الثناء فحيث وقع فمصدر بالأسماء الحسنى وأعظم ما يصدر به اسم الله جل جلاله نحو: {الْحَمْدُ لله} حيث جاء، ونحو: {فَسُبْحَانَ الله} وجاء {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} ونحوه {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض} [الحشر: 1، الصف: 1] حيث وقعت ونحو {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]، {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14]، {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] .... ونظائره.

وجاء في دعاء المسيح: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاء} [المائدة: 114]، فذكر الأمرين ولم يجىء في القرآن سواه ولا رأيت أحداً تعرض لهذا ولا نبه عليه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير