تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المعاصرين العلامة الألباني وعبد القادر الأناؤوط، والأئمة ابن باز وابن عثيمين والفوزان وكل من علمناه من المشهورين بالعلم والفتيا ممن لا يحصون كثرة.

فلا عبرة بتضعيف غيرهم له، ممن ليس من أهل الصنعة والإتقان والخبرة بالروايات والرواة.

وكذا لا عبرة بقول من لم يصله الحديث أو يعلم بصحته، فمن علم حجة على من لم يعلم كما هو مقرر عند أهل العلم.

وكذا لا يضر رفع الحديث للرسول -صلى الله عليه وسلم- ورود بعض الروايات الموقوفة على الصحابة، كما هو مقرر في علم أصول الحديث.

أضف إلى ذلك تلقي الأمة كلها هذا الحديث بالقبول والعمل به، جيلاً فجيلاً، من غير إعراض أو نكير.

ثانياً: أما قول الإمام مالك في الموطأ: ما رأيت أحداً من أهل العلم يصومها! فإنه لا يرد بمثله هذا الحديث الصحيح، وهذه السنة النبوية الثابتة.

قال الإمام النووي رحمه الله في شرح مسلم (8/ 56): إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس، أو أكثرهم أو كلهم لها. انتهى.

وصدق رحمه الله، فإن الحجة في الأحاديث إذا صحت، لا بترك الناس لها، أو الرغبة عنها.

وقال أيضاً - النووي-: وقولهم قد يظن وجوبها، ينتقض بصوم عرفة وعاشوراء، وغيرهما من الصوم المندوب، انتهى.

وقال الإمام أبو العباس القرطبي في المفهم لما أشكل من تلخيص الإمام مسلم (3/ 237): ويظهر من كلام الإمام مالك هذا أن الذي كرهه هو وأهل العلم الذي أشار إليهم، إنما هو أن توصل تلك الأيام الستة بيوم الفطر، لئلا يظن أهل الجهالة والجفاء أنها بقية من صوم رمضان، وأما إذا باعد بينها وبين يوم الفطر فيبعد ذلك التوهم، وينقطع ذلك التخييل.

ثم قال: فأما صومها متباعدة عن يوم الفطر بحيث يؤمن ذلك المتوقع، فلا يكرهه مالك ولا غيره، وقد روى مطرِّف عن مالك: أنه كان يصومها في خاصة نفسه. وقال مطرف: وإنما كره صيامها لئلا يلحق أهل الجهالة ذلك برمضان، فأما من رغب في ذلك لما جاء فيه - أي الحديث - فلم ينه، انتهى.

ونقل ابن القيم كما في تهذيب السنن عن ابن عبد البر قوله: لم يبلغ مالكاً حديث أبي أيوب على أنه حديث مدني، والإحاطة بعلم الخاصة لا سبيل إليه. والذي كرهه مالك قد بينه وأوضحه خشية أن يضاف إلى فرض رمضان، وأن يسبق ذلك إلى العامة، وكان متحفظاً كثير الاحتياط للدين ...

ثالثاً: من المعلوم لدى الباحثين المحققين أن قول المحدثين: في سند الحديث ضعف أو مقال، لا يعني ضعف الحديث. لأن الحديث قد يكون له عدة أسانيد يصح بها، أي: يروى من وجوه أخر. ففرق بين قولهم: حديث ضعيف، وبين قولهم: في إسناد هذا الحديث رجل ضعيف أو مقال.

فكون بعض المحدثين قال: إن في السند: سعد بن سعيد وهو سيء الحفظ، لا يعني ضعف الحديث.

رابعاً: أما تضعيف ابن دحية للحديث فقد رد عليه الحافظ العلائي في رسالة على حدة باسم «رفع الإشكال». وهي مطبوعة فلتراجع.

خامساً: إن هذا القول يفتح باب التشكيك والطعن بأحاديث الصحيحين، وهما مما اتفقت الأمة على قبول ما فيهما والعمل بهما.

فمراعاة للمصالح العامة للأمة لا ينبغي على الأقل إشهاره في كل ناد مع شذوذه وضعفه وقلة القائلين به.

سادساً: أما القول بأنه يمكن صيام هذه الأيام الستة في أي من شهور السنة، فهذا مردود لمخالفته لنص الحديث الصحيح المقيد لصيامها في شهر شوال المعروف عند العرب.

سابعاً: وأما عدم إخراج البخاري له، فلا يدل على ضعفه، كما هو معلوم لدى المحدثين، فإن البخاري رحمه الله لم يقصد استيعاب جميع الحديث الصحيح، وإنما قصد جمع كتاب مسند مختصر صحيح من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه.

كما قال هو رحمه الله عن نفسه: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح.

وعن إبراهيم بن معقل النسفي قال: سمعت البخاري يقول: ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحيح حتى لا يطول. انظر هدي الساري (ص 7) للحافظ ابن حجر.

هذا ما تيسر كتابته على عجالة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويهدينا جميعاً سواء السبيل، و-صلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه-.

وكتبه/

محمد الحمود النجدي

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير