تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[قاعدة شريفة الناس قسمان علية وسفلة]

ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[23 - 11 - 06, 12:08 م]ـ

[قاعدة شريفة الناس قسمان علية وسفلة]

قال ابن القيم قاعدة شريفة الناس قسمان علية وسفلة فالعلية من عرف الطريق إلى ربه وسلكها قاصداً الوصول إليه وهذا هو الكريم على ربه والسفلة من لم يعرف الطريق إلى ربه ولم يتعرفها فهذا هو اللئيم الذي قال الله فيه ومن يهن الله فماله من مكرم والطريق إلى الله في الحقيقة واحد لا تعدد فيه وهو صراطه المستقيم الذي نصبه موصلا لمن سلكه قال الله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فوحد سبيله لأنه في نفسه واحد لا تعدد فيه وجمع السبل المخالفة لأنها كثيرة متعددة كما ثبت أن النبي خط خطا ثم قال هذا سبيل الله ح ثم خط خطوطا عن يمينه وعن يساره ثم قال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ح ثم قرأ وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ومن هذا قوله تعالى الله ولي الذين امنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات فوحد النور الذي هو سبيله وجمع الظلمات التي هي سبيل الشيطان ومن فهم هذا فهم السر في إفراد النور وجمع الظلمات في قوله الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور مع أن فيه سر ألطف من هذا يعرفه من يعرف منبع النور ومن أين فاض وعماذا حصل وأن أصله كله واحد وأما الظلمات فهي متعددة بتعدد الحجب المقتضية لها وهي كثيرة جدا لكل حجاب ظلمة خاصة ولا ترجع الظلمات إلى النور الهادي جل جلاله أصلا ولا وصفا ولا ذاتاً ولا اسماً ولا فعلاً وإنما ترجع إلى مفعولاته فهو جاعل الظلمات ومفعولاتها متعددة متكثرة بخلاف النور فإنه يرجع إلى اسمه وصفته تعالى أن يكون كمثله شيء وهو نور السموات والأرض قال ابن مسعود ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السموات والأرض من نور وجهه ذكره الدارمي عنه وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قلت يا رسول الله هل رأيت ربك قال نور أنى أراه والمقصود أن الطريق إلى الله واحد فإنه الحق المبين والحق واحد مرجعه إلى واحد وأما الباطل والضلال فلا ينحصر بل كل ما سواه باطل وكل طريق إلى الباطل فهو باطل فالباطل متعدد وطرقه متعددة وأما ما يقع في كلام بعض العلماء أن الطريق إلى الله متعددة متنوعة جعلها الله كذلك لتنوع الاستعدادات واختلافها رحمة منه وفضلا فهو صحيح لا ينافي ما ذكرناه من وحدة الطريق وإيضاحه أن الطريق هي واحدة جامعة لكل ما يرضي الله وما يرضيه متعدد متنوع فجميع ما يرضيه طريق واحد ومراضيه متعددة متنوعة بحسب الأزمان والأماكن والأشخاص والأحوال وكلها طرق مرضاته فهذه التي جعلها الله لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جدا لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم ولو جعلها نوعا واحدا مع اختلاف الأذهان والعقول وقوة الاستعدادات وضعفها لم يسلكها إلا واحد بعد واحد ولكن لما اختلفت الاستعدادات تنوعت الطرق ليسلك كل امرئ إلى ربه طريقا يقتضيها استعداده وقوته وقبوله ومن هنا يعلم تنوع الشرائع واختلافها مع رجوعها كلها إلى دين واحد مع وحدة المعبود ودينه ومنه الحديث المشهور الأنبياء أولاد علات دينهم واحد فأولاد العلات أن يكون الأب واحداً والأمهات متعددة فشبه دين الأنبياء بالأب الواحد وشرائعهم بالأمهات المتعددة فإنها وإن تعددت فمرجعها إلى أب واحد كلها وإذا علم هذا فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يعد سلوكه إلى الله طريق العلم والتعليم قد وفر عليه زمانه مبتغيا به وجه الله فلا يزال كذلك عاكفاً على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك الطريق إلى الله ويفتح له فيها الفتح الخاص أو يموت في طريق طلبه فيرجى له الوصول إلى مطلبه بعد مماته قال تعالى ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وقد حكي عن جماعة كثيرة ممن أدركه الأجل وهو حريص طالب للقرآن أنه رؤي بعد موته وأخبر انه في تكميل مطلوبه وأنه يتعلم في البرزخ فإن العبد يموت على ما عاش عليه ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر وقد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله فمتى فتر عنه أو قصر رأى أنه قد غبن وخسر ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة فمتى قصر في ورده منها أو مضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أو مستعد لها

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير