تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إعادة النظر في كتابات العصريين في ضوء الإسلام، خص منها طه حسين وحده بكتابين كبيرين، هما: طه حسين وحياته في ميزان الإسلام، ومحاكمة فكر طه حسين؛ ذلك لأن الجندي كان يرى أن طه حسين هو قمة أطروحة التغريب، وأقوى معاقلها، ولذلك كان توجيه ضربة قوية إليه هو قمة الأعمال المحررة لفكر الإسلامي من التبعية.

الأدب والفكر صنوان

وكان العلامة أنور الجندي يرى أن فصل الأدب عن الفكر – وهو عنصر من عناصره – أخطر التحديات التي فتحت الباب واسعا أمام الأدب ليتدخل في كل قضايا الإجماع ويفسد مفاهيم الإسلام الحقيقية؛ ومن ثم فقد أنصف الجندي كتاباته الرصينة أصحاب الفكرة الإسلامية الصحيحة من أمثال الرافعي والثعالبي وباكثير ومحمد فريد وجدي والسحار وكيلاني وتيمور… وغيرهم من الذين ظلمهم المتغربون وأبناء المتغربين من المعاصرين، ونال في هذا الطريق كثيرًا من الأذى والظلم والإعنات فضلا عن أنه اعتقل لمدة عام سنة 1951.

البنا يشعل جذوة الفكر لديه

التقى المؤرخ العملاق والمفكر الكبير أنور الجندي بالإمام الشهيد حسن البنا في بواكير حياته، فكان هذا اللقاء –حقًا- مباركًا، وكانت بيعة الرجل الأمين زادا أصيلا على طريق النور. أخذ فيه الجندي نفسه بنفسه على وضع منهج إسلامي متكامل لمقدمات العلوم والمناهج، يكون زادًا لأبناء الحركة الإسلامية ونبراسا لطلاب العلم والأمناء في كل مكان؛ فأخرج هذا المنهج في 10 أجزاء ضخمة يتناول فيه بالبحث الجذور الأساسية للفكر الإسلامي التي بناها القرآن الكريم والسنة المطهرة، وما واجهه من محاولات ترجمة الفكر اليوناني الفارسي والهندي، وكيف قاوم مفهوم "أهل السنة والجماعة" وكيف انبعثت حركة اليقظة الإسلامية في العصر الحديث من قلب العالم الإسلامي نفسه –وعلى زاد وعطاء من الإسلام- فقاومت حركات الاحتلال والاستغلال والتغريب والتخريب والغزو الفكري والثقافي .. ويذكر للعلامة الجندي عند الله وعند الناس أن هذه الموسوعة الضخمة تعجز الآن عشرات المجامع ومئات المؤسسات والهيئات أن تأتي بمثلها. أو بقريب منها.

وظل الجندي على العهد إلى آخر نفس في حياته، حيث كان يضع أمام سرير نومه صورة لوالده وجده والإمام الشهيد حسن البنا رضوان الله على الجميع.

وخص الإمام البنا بثلاثة كتب أولها في صدر شبابه، حين كان يصدر موسوعة فكرية إسلامية لمنهجه "الفكر وبناء الثقافة" أول كل شهر بصفة دورية فكان منها عام 1946: "الإخوان المسلمون في ميزان الحق". وكتاب "قائد الدعوة .. حياة رجل وتاريخ مدرسة"، ثم اختتم حياته المباركة بكتابه النفيس "حسن البنا .. الداعية الإمام والمجدد الشهير".

ولقد تزود العلامة أنور الجندي لمشواره الكبير (مائتا كتاب وأكثر من ثلاثمائة رسالة) بزاد ثقافي أصيل وثقافة عميقة شاملة انعكست بشكل واضح في كل ما خطه قلمه المبارك، فيقول: "قرأت بطاقات دار الكتب وهي تربو على مليوني بطاقة، وأحصيت في كراريس بعض أسمائها وراجعت فهارس المجلات الكثيرة الكبرى كالهلال والمقتطف والمشرق والمنار والرسالة والثقافة، وأحصيت منها بعض رؤوس موضوعات، وراجعت جريدة الأهرام على مدى عشرين عاما، وراجعت المقطم واللواء والبلاغ وكوكب الشرق والجهاد وغيرها من الصحف، وعشرات من المجلات العديدة والدوريات التي عُرفت في بلادنا في خلال هذا القرن .. كل ذلك من أجل تقدير موقف القدرة على التعرف على موضوع معين في وقت ما".

التواضع والزهد

والذي يعرف منزله بشارع عثمان محرم بمنطقة الطالبية بالجيزة، يعرف أن البيت بكل غرفه وطوابقه كان دائرة معارف متنوعة في شتى الشئون والفنون. كما كان للعلامة أنور الجندي موقع محدد بدار الكتب لا يغيب عنه إلا لماما. ولديه صناديق للبطاقات العلمية وصلت إلى 180 صندوقا. تزود بذلك كله، إلى ما حباه الله من صبر جميل طويل وتفرغ كامل للأعمال الفكرية، وتجرد قلّ أن يوجد في عصرنا، وفراغ من شغل الأولاد والأموال حيث رزق ببنت واحدة (فائزة، أم عبد الله) تزوجت في بداية شبابها بشاب صالح كان نعم العون للأستاذ أنور في رحلة الصعاب التي قضاها على مدى سبعين عاما كاملة.

يذكر للجندي بحروف من نور أنه الرجل الذي أسس مدرسة الأصالة الفكرية المعاصرة في الأدب، فأنصف أقواما وهدم آخرين. وفي الاجتماع فكشف زيف فرويد وماركس ودارون ودوركايم. وفي الفلسفة أنصف الغزالي وابن رشد والفارابي وابن سينا والخيام…

وفي تلك الليلة الحزينة مساء الإثنين 13 ذي القعدة سنة 1422 هـ – 28 يناير 2002م توفي إلى رحمة الله تعالى.

وكأن الجندي كان يرثي نفسه حين قال: "إن الفضل كله لله، وإن الهدى هدى الله، ولولا فضل الله في التوجه إلى هذا الطريق المستقيم لضللنا السبيل".

رحم الله العلامة أنور الجندي رائد مدرسة الأصالة الفكرية، وقائد كتائب المقاومة في ميادين التبشير والاستشراق والتغريب والغزو الفكري.

إنه الرجل الذي عاش (85 عامًا) قضى منها في حقل الفكر الإسلامي (70 عامًا)، ما خط فيها كلمة أو أكل لقمة إلا وهو على وضوء.

http://www.islamonline.net/Arabic/famous/2002/02/article04.shtml

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير