الثاني: أن يخاف على ماله من ظالم أو لص , أو يخاف أن يسرق منزله أو يحرق منه شيء , أو يكون له خبز في تنور أو طبيخ على نار , ويخاف حريقه باشتغاله عنه , أو يكون له غريم إن ترك ملازمته ذهب بماله , أو يكون له بضاعة أو وديعة عند رجل وإن لم يدركه ذهب , أو كانت عنده أمانة كوديعة أو رهن أو عارية مما يجب عليه حفظه , ويخاف تلفه بتركه. ويدخل في ذلك الخوف على مال الغير.
الثالث: الخوف على الأهل: من ولد ووالد وزوج إن كان يقوم بتمريض أحدهم , فإن ذلك عذر في التخلف عن الجماعة.
ومثل ذلك: القيام بتمريضه الأجنبي إذا لم يكن له من يقوم بتمريضه , وكان يخشى عليه الضياع لو تركه , وقد ثبت أن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - استصرخ على سعيد بن زيد , وهو يتجمر للجمعة , فأتاه بالعقيق , وترك الجمعة.
ج - حضور طعام تشتاقه نفسه وتنازعه إليه:
- قال ابن قدامة: إذا حضر العشاء في وقت الصلاة فالمستحب أن يبدأ بالعشاء قبل الصلاة ; ليكون أفرغ لقلبه وأحضر لباله , ولا يستحب أن يعجل عن عشائه أو غدائه , فإن أنسًا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا قرب العشاء وحضرت الصلاة فابدءوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب , ولا تعجلوا عن عشائكم} , ولا فرق بين أن يخاف فوت الجماعة أو لا يخاف , فإن في بعض ألفاظ حديث أنس: {إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء} وعن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدءوا بالعشاء ولا يعجلن حتى يفرغ منه}. وتعشى ابن عمر وهو يسمع قراءة الإمام.
قال ابن قدامة: قال أصحابنا: إنما يقدم العشاء على الجماعة إذا كانت نفسه تتوق إلى الطعام كثيرًا , ونحوه قال الشافعي. وقال بظاهر الحديث عمر وابنه وإسحاق وابن المنذر. وقال ابن عباس: لا نقوم إلى الصلاة وفي أنفسنا شيء. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه لو صلى بحضرة الطعام فأكمل صلاته أن صلاته تجزئه.
د - مدافعة أحد الأخبثين:
- ومثلهما الريح , فإن ذلك عذر يبيح التخلف عن الجماعة , قالت السيدة عائشة - رضي الله تعالى عنها -: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {لا صلاة بحضرة طعام , ولا هو يدافعه الأخبثان} , ولأن القيام إلى الصلاة مع مدافعة أحد الأخبثين يبعده عن الخشوع فيها ويكون مشغولا عنها.
هـ - أكل ذي رائحة كريهة:
- وذلك كبصل وثوم وكراث وفجل إذا تعذر زوال رائحته , فإن ذلك عذر يبيح التخلف عن الجماعة , حتى لا يتأذى به الناس والملائكة ; لحديث: {من أكل من هذه البقلة: الثوم - وقال مرة: من أكل البصل والثوم والكراث - فلا يقربن مسجدنا ; فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم}. والمراد أكل هذه الأشياء نيئة , ويدخل في ذلك من كانت حرفته لها رائحة مؤذية , كالجزار والزيات ونحو ذلك. ومثل ذلك من كان به مرض يتأذى به الناس , كجذام وبرص , ففي كل ذلك يباح التخلف عن الجماعة.
و - العري:
- فمن لم يجد ما يستر ما بين السرة والركبة فإنه يباح له التخلف عن الجماعة. وهذا إذا كان من عادة أمثاله الخروج بمثل ذلك , قال الشافعية وبعض المالكية: الأليق بالحنيفية السمحة: أنه إن وجد ما يليق بأمثاله خرج للجماعة , وإلا فلا.
ز- (العمى):
- اعتبر الحنفية أن العمى عذر يبيح التخلف عن الجماعة وإن وجد قائدًا. ولم يعتبره جمهور الفقهاء عذرًا إلا أن لا يجد قائدًا , ولم يهتد للطريق بنفسه.
ح - (إرادة السفر):
- من تأهب لسفر مباح مع رفقة , ثم أقيمت الجماعة , وكان يخشى إن حضر الجماعة أن تفوته القافلة , فإنه يباح له التخلف عن الجماعة.
ط - غلبة النعاس والنوم:
- فمن غلبه النعاس والنوم إن انتظر الجماعة صلى وحده. وكذلك لو غلبه النعاس مع الإمام ; لأن {رجلاً صلى مع معاذ , ثم انفرد فصلى وحده عند تطويل معاذ , وخوف النعاس والمشقة , فلم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبره} , والأفضل الصبر والتجلد على رفع النعاس والصلاة جماعة.
ي - زفاف الزوجة:
38 - فزفاف الزوجة عذر يبيح للزوج التخلف عن صلاة الجماعة , وذلك كما يقول الشافعية والحنابلة , لكن الشافعية قيدوه بالتخلف عن الجماعة في الصلوات الليلية فقط , وأما المالكية فلم يعتبروا ذلك عذرًا , وخفف مالك للزوج ترك بعض الصلاة في الجماعة للاشتغال بزوجه والسعي إلى تأنيسها واستمالتها.
ك - ذكر الحنفية من الأعذار التي تبيح التخلف عن الجماعة: الاشتغال بالفقه ; لا بغيره من العلوم. كما ذكر الشافعية من الأعذار: السمن المفرط.
من الموسوعة الفقهية الكويتية