تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[هل الطاولة مقلوبة؟]

ـ[محمد السعيدي]ــــــــ[06 - 12 - 06, 08:15 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

هل الطاولة مقلوبة

كان خروج الصليبيين من الشرق للمرة الأخيرة أواسط القرن الثامن الهجري تحقيقا لأكبر فشل منيت به القارة الأوربية مجتمعة خلال تلك العصور ونتيجة لما كان يظن أنه أعظم خطأ في تاريخ الكنيسة الغربية.

وعلى الجانب الآخر كان هذا الخروج أعظم نصر حققه المسلمون في تلك العصور ومتمم الخلاص من الخطر الصليبي القادم من الغرب.

هذا ما كان يظن آنذاك.

أما اليوم فنحن نقرأ ذلك التاريخ على أنه بداية سلسلة طويلة من النجاحات الأوربية المبهرة في المجالات العلمية والعسكرية والاقتصادية والسياسية.

وبداية أيضا لانحسارات متواصلة لنجاحاتنا الإسلامية في جميع تلك المجالات.

فهل حقا ينبغي أن نبقى على تسمية تلك الهزيمة فشلا وذلك الانتصار نجاحا أم نقلب الطاولة أم نستحدث مصطلحات جديدة لم تكن في أسلافنا أم ماذا.

الذي يظهر لي أن الطاولة كانت مقلوبة كل تلك القرون وبالرغم من أن أحدا منا لم يكشفها إلا أنها اليوم مكشوفة واضحة للعيان كما أنها لم تنكشف بفعل الزوابع والرياح , والظاهر أن الطرف الآخر هو من كشفها ليجرب اللعب على المكشوف , وربما لأنه تصور ضمان النتيجة.

والعجيب أن الذي شاهدناه تحت الطاولة ليس إكسيرا سريا أو وصفة مقدسة بل أمرا واضحا لكن أكثر اللاعبين لا يحسنه ,والباقون لا يعرفون قدرة وأعني به إعمال الفكر في الأخطاء كيف حدثت , وكيف تتقي نتائجها المحتومة.

عادت فلول المنهزمين تروي لمفكريها ما لقيت وماذا شاهدت

واستنبط المفكرون من تلك الروايات قواعد النصر وأسباب الهزيمة.

أما جحافل المنتصرين فحسبها أنها عادت إلى قواعدها سالمة , ثم عاد الأمر كما كان وبقي العالم الإسلامي ينتظر الغزاة الذين رجعوا وهم يحملون مع عدد القتال رصيدا عظيما من تجارب الأجداد وعدنا من جديد إلى الهزيمة أو عادت الهزيمة إلينا.

كان الصليبيون فيما مضى بحاجة إلى مفكرين يدلونهم على مكامن الخطأ , أما أخطاؤنا اليوم فهي عارية لا مكامن لها , فلماذا لا نستدل منها إلى الصواب الذي أضحى كامنا فرارا من أخطائنا.

وأصعب ما في الأمر أنََ تكرر الأخطاء جار على جميع الأصعدة وفي جميع الاتجاهات فلا نكاد نخرج من أزمة إلا ونقع في أختها بنت رحمها لا فرق بينهما إلا في تاريخ الميلاد فما السبب؟

ألجواب في نظري طويل وممل وكثير التفاصيل لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمله في عبارة من جوامع كلمه: (شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه) ويغنيك عن كثير القول أن تتأمل في الأحداث التي توطأ فيها الأخطاء عمدا أو عن غير قصد لنجد أن كلا منها يعود إلى فقرة ما من تلك العبارة الرائعة في مشكاة النيوة ولنجد أيضا أننا حين نصلح أخطاءنا فإنما نقتل الذباب الطائر ونبتعد عن القذارة الواقعة على الأرض وبذلك يتجدد الذباب وتجدد أخطاؤنا.

إن إيثار الدنيا واتباع الهوى وإطاعة الشح والاعتداد بالرأي هي بؤر الفساد المتجدد ومكمن البعوض المتطاير فما لم يلتفت كل منا لنفسه يعالجها من هذه الأدواء الخبيثة فلن يجدي التلاوم عند كل مصيبة والتنافس في إلقاء التبعات إلا مزيدا من الإفساح لسيء الأسقام بالتمكن حتى تصل بالمجتمع إلى شر لا خلاص منه ’ كما هو مدلول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الشرور متى استشرت في المجتمع حتى تكون هي الواقع الذي لا مكان معه لغيره فإن العلاج منها يصبح مستعصيا حتى لا ينفع معه أمر بمعروف أو نهي عن منكر , وذلك كما روى أبو داود في سننه ج4/ص123عن أبي أمية الشعباني قال سألت أبا ثعلبة الخشني فقلت يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية (عليكم أنفسكم) قال أما والله لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك يعني بنفسك ودع عنك العوام فإن من ورائكم أيام الصبر الصبر فيه مثل قبض على الجمر للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله وزادني غيره قال يا رسول الله أجر خمسين منهم قال أجر خمسين منكم) فهل يسر أحدا منا أيا توجهه الديني أو المذهبي أن تصل بنا الأمور يوما ما إلى مثل ما وصف رسول الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير