تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

«ألا ترى أنهم لما جعلوا أن المعاملات إذا أطلق فيها الثمن يحمل على غالب النقود، فإذا كانت العادة نقداً معيناً حملنا الإطلاق عليه، فإذا انتقلت العادة إلى غيره عيَّنا ما انتقلت العادة إليه، وألغينا الأول لانتقال العادة عنه»، إلى أن يقول: «بل ولا يشترط تغيير العادة، بل لو خرجنا نحن من تلك البلد إلى بلد آخر عوائدهم على خلاف عادة البلد الذي كنا فيه، وكذلك إذا قدم علينا أحد من بلد عادته مضادة للبلد الذي نحن فيه؛ لم نفته إلا بعادته دون عادة بلدنا، ومن هذا الباب ما روي عن مالك: إذا تنازع الزوجان في قبض الصداق بعد الدخول؛ أن القول قول الزوج مع أن الأصل عدم القبض، قال القاضي إسماعيل: هذه كانت عادتهم بالمدينة أن الرجل لا يدخل بامرأته حتى تقبض جميع صداقها، واليوم عاداتهم على خلاف ذلك، فالقول قول المرأة مع يمينها لأجل اختلاف العوائد، وينبغي أن يعلم أن معنى العادة في اللفظ أن ينقل إطلاق لفظ واستعماله في معنى حتى يصير هو المتبادر من ذلك اللفظ عند الإطلاق مع أن اللغة لا تقتضيه، فهذا هو معنى العادة في اللفظ، وهو الحقيقة العرفية، وهو المجاز الراجح في الأغلب، وهو معنى قول الفقهاء إن العرف يقدم على اللغة عند التعارض، وكل ما يأتي من هذه العبارات» [21].

وقد نقل الإمام علاء الدين الطرابلسي الحنفي كلام القرافي وأقره [22].

ومن بعد القرافي قال ابن القيم الحنبلي: «فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد» [23].

وهنا يظهر أمران:

الأول: أن الفتوى هي التي تتغير وليس الحكم الشرعي.

الثاني: أن الفتوى التي تتغير يكون حكمها الشرعي مرتباً على العوائد والأعراف.

ومن الأمثلة التي يذكرها الفقهاء على ذلك: ما يخرج في صدقة الفطر، فإن الحديث جاء بإخراج صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط، فرأى العلماء أن هذه الأقوات كانت هي غالب القوت عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث في ذلك الزمان، فكأنه قال: أخرجوا صاعاً من غالب قوت البلد التي أنتم فيها، وعلى ذلك أفتى العلماء بجواز إخراج صاع من الأرز والذرة ونحوه إذا كان هذا هو غالب قوت البلد في زمنهم، فبالنظر المجرد إلى الفتوى بجواز إخراج الأرز والذرة يقول القائل: قد حدث تغير في الحكم، وبالنظر إلى حقيقة الأمر وأن المطلوب هو إخراج الصاع من غالب قوت البلد، فليس هناك تغير في الحكم الشرعي، كل ما هنالك أن الذي تغير هو غالب قوت البلد، والحكم باق على ما هو عليه، وهذا المثال ونحوه قد ينظر إليه على أنه تغير للفتوى بتغير الزمان، والحقيقة أن الزمن بمجرده ليس مسوّغاً لتغيير الفتوى لأن هذا هو النسخ الذي لا يملكه أحد إلا الشارع وإنما نسب التغيير لتغير الزمان في كلام بعض أهل العلم؛ لأن الزمان هو الوعاء الذي تجري فيه الأحداث والأفعال والأحوال، وهو الذي تتغير فيه العوائد والأعراف، فنسبة تغير الفتوى لتغير الزمان من هذا الباب، وإلا لو ظل العرف كما هو عدة قرون لم يكن أحد مستطيعاً أن يغير الفتوى.

2 - وجود السبب وتحقق الشرط وانتفاء المانع أو عدم بعض ذلك:

من المعلوم أن الأحكام مرتبة على وجود سببها، فإذا وجد سبب الحكم وتحقق شرطه وانتفى المانع، انطبق الحكم على الواقع، فإذا تخلف أحد الشروط أو وجد أحد الموانع انطبق حكم آخر على الواقع.

والناظر من بعيد يرى أن الواقعتين متشابهتان، ولهما حكمان متغايران، فيظن أن الحكم قد تغير، والحقيقة أن الواقعتين وإن كانتا متشابهتين لكنهما غير متماثلتين، فهما واقعتان مختلفتان لكل منهما حكم يخصها، ونضرب مثلاً لذلك، لو أن رجلاً ملك نصاب الزكاة، ثم استفتى أهل العلم عن وجوب إخراج الزكاة؛ فإن المفتي يسأله: هل حال على النصاب الحول؟ فلو قال: نعم. وسأله: هل عليك دين؟ فقال: لا. هنا يجيبه المفتي بقوله: نعم تجب عليك الزكاة. ويحدد له المقدار الواجب إخراجه حسب نوع المال الذي يملكه، فلو بعد فترة من الزمان جاءه الرجل نفسه وسأله: هل عليَّ زكاة؟ فإذا سأله المفتي: هل عليك دين؟ وقال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير