تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نعم، علي دين يستوعب أكثر مالي حتى لا يبقى منه قدر النصاب. هنا يقول المفتي: ليس عليك زكاة. والرائي غير المتبصر يرى أن الحكم تغير، والأمر ليس كذلك، فالحالة الأولى وجد السبب وتحقق الشرط وانتفى المانع، وأما الحالة الثانية فقد وجد المانع وهو الدين، فهنا حالتان مختلفتان، لكل حالة حكم في الشرع، وليس في هذا اختلاف، وفي مثل هذا يقول الشيخ عابد السفياني - وفقه الله -:

«إن تلك الواقعة التي تغير حكمها؛ إما أن تكون هي هي عند تغير الحكم بجميع خصائصها والحيثيات التي تكتنفها، وإما أن تختلف في بعض خصائصها وحيثياتها، فإن كانت الأولى فنحن ننازع أشد المنازعة في تغير حكمها؛ لأن ذلك هو النسخ والتبديل المنهي عنه كما سيأتي بيانه، وإن كانت الثانية فليست في موضع النزاع؛ لأنها حينئذٍ حادثتان، وحادثتان متميزتان من حيث خصائصهما والاعتبارات التي تحفهما لهما حكمان ليس غريباً ولا عجيباً، ولا يقال له تغير ولا تبدل» [24].

وبالمثل لو أن شخصاً سرق ثم تبين أن شروط إقامة الحد غير مستوفاة، فلم يحكم عليه القاضي بالقطع، فإنه لا يقال هنا قد تغير الحكم ولكن شروط إقامة الحد هي التي لم تكتمل، وهذا هو الذي حدث في عهد عمر - رضي الله عنه - عام المجاعة عندما قُحط الناس، وتعرضوا للهلاك بسبب الجدب، أصبح كثير ممن يسرق إنما يسرق لاضطراره إلى ذلك ليدفع عن نفسه الهلاك، وهذه حالة تدرأ عن صاحبها الحد، ونظراً لأن الأمر كان منتشراً واختلط من يسرق للضرورة ومن يسرق لغير ذلك ولم يمكن تمييزهما من بعض، فصار ذلك شبهة درأ بها عمر - رضي الله عنه - الحد في عام المجاعة، فلله دره! ما أفقهه وما أعلمه، ولما زالت المجاعة زالت الشبهة فكان من يسرق يقام عليه الحد، فليس في هذا أيضاً تغيير للحكم الشرعي؛ لأن ما فعله عمر - رضي الله عنه - في عام المجاعة كان هو الواجب في مثل تلك الحالة.

3 - الضرورة الملجئة:

هناك أحوال اضطرار يقع فيها العبد المسلم مما يكون معه مضطراً لفعل ما حرم الله، ومن رحمة الله بالعباد أنه في هذه الأحوال لم يجعل عليهم إثماً فيما فعلوه، والناظر غير المتبصر يظن أن الحكم اختلف، وهما في الحقيقة حالان مختلفان، لكل حال حكم، فحال الاختيار له حكم، وحال الاضطرار له حكم، وحالان مختلفان لهما حكمان متغايران لا يقال له تبدل ولا تغير، ولنضرب المثل لذلك، من المعلوم أن الله حرم أكل الميتة، فيحرم على العباد أكل لحوم الميتات (إلا ميتة البحر)، فمن أكل منها يقال له: هذا حرام، وقد فعلت ما يستوجب عقاب الله.

فلو تغير حال أحد الناس وصار في حالة اضطرار بحيث إذا لم يأكل من الميتة هلك؛ هنا يصدق عليه وصف المضطر، وهنا يباح له الأكل من الميتة، والحكم تغير هنا في الظاهر، ولكن في الحقيقة الحكم لم يتغير، وإنما الذي تغير هو الحال التي ترتب عليه الحكم.

ومن أمثلة ذلك ما حصل من غلمان حاطب الذين سرقوا ناقة، ولم يقطعهم عمر، فإنه أحضر عبد الرحمن بن حاطب وقال له: «والله! لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتى إن أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له؛ لقطعت أيديهم» [25]، فهذا يبين أن عمر رأى أن هؤلاء في حالة اضطرار تدرأ عنهم الحد، وأن عقوبتهم القطع لو كانوا غير مضطرين، وقد عاقب عمر حاطباً على ذلك وأضعف عليه الغرم.

4 - تغير الوصف أو الاسم:

هناك أحكام رُتبت على أوصاف أو أسماء، فإذا تغيرت تلك الأوصاف أو الأسماء تغير الحكم تبعاً لذلك. مثال: رجل تزوج امرأة، حل له منها ما يحل للرجل من امرأته، فلو طلقها حرم عليه منها ما كان حلالاً له، هنا تغيرت صورة الحكم لأن ما كان حلالاً جائزاً للرجل تغير وصار حراماً، وفي الحقيقة فإن المتغير هو الصفة أو الاسم وليس الحكم الشرعي؛ إذ الحكم باقٍ على ما هو عليه، وهو أن الرجل تحل له زوجته، وأن الرجل تحرم عليه غير زوجته.

ومن أمثلة تغير الاسم أو الوصف الدال على تغير الحقيقة، تغير الخمر بحيث تصير خلاً، فالخمر من أحكامها النجاسة، فإذا تغيرت حقيقة السائل المسكر وصار خلاً، فقد تغير وصف السائل وتغير اسمه وصار خلاً، والخل ليس بنجس (سواء قلنا بجواز تخليل الخمر أم لا)، وحكم الخمر لم يتغير، وإنما الخمر نفسها هي التي تغيرت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير