[الشيخ حمد الزيدان كما عرفته]
ـ[أبو عمر الدوسري]ــــــــ[13 - 12 - 06, 03:02 م]ـ
[الشيخ حمد الزيدان كما عرفته]
د. أحمد بن محمد الخضيري 2/ 11/1427
23/ 11/2006
كثير أولئك الذين يلتقي بهم الإنسان في رحلة الحياة الممتدة التي يتقلب فيها من مرحلة الصبا إلى مرحلة الشباب ثم ما بعدها من المراحل، فتتكون له في هذه الرحلة صداقات متعددة وعلاقات متنوعة يبقى بعضها ويتلاشى معظمها، وليس هناك شيء أبقى حضورا في الذهن وشخوصا في الفكر والخاطر من أثر المعلم والشيخ في تلميذه، ويصبح هذا الأثر أكثر إلحاحا وأشد ورودا على الخاطر عندما يكون الأستاذ والشيخ قد بلغ غاية كبيرة في بذل الجهد في تعليم طلابه وتربيتهم، لأنهم حينئذ يحتذون مثاله وينسجون على منواله، وتحفل قلوبهم بروح المودة له قبل أن يتعلموا منه مسائل العلم.
وأنت تكاد تلمس شفافية الروح لدى هؤلاء الذين نذروا أنفسهم لنفع الناس وأنكروا ذواتهم في سبيل نشر الخير وإصلاح الخلق، فملكوا بذلك مفتاحا إلى قلوب العباد يودعون فيها ماشاؤوا من الخير والعلم، ولا تكاد تجد مثل هذا لدى غيرهم ممن ملكوا أدواتهم لكنهم لم يملكوا ما في قلوبهم من روح المحبة والتضحية، فلم يكن لهم شأو بعيد في التأثير إذ فقدوا الجذوة التي تحرك القلوب والزناد الذي يوقظ الضمائر ويحرك المشاعر.
وكم يكون المعلم والمربي ذا منزلة لدى المتلقين عنه إذا صحب كل هذا خلق فاضل، وأدب جم، ونفس كريمة تعين على الخير وتصلح الخطأ مع الإغماض عن تلمس المثالب والعيوب.
أقول هذه الكلمات والنفس مضطرمة بالحزن لفقد شيخنا حمد بن محمد الزيدان -رحمه الله- إثر عملية جراحية لزراعة الكبد أجريت له.
لم يكن الشيخ حمد معلما فحسب بل كان والدا ومربيا منذ اللحظة الأولى التي رأيته فيها وكان ذلك سنة 1398 هـ وكنت في السنة الأولى المتوسطة في معهد الدمام العلمي وكان الشيخ حمد مديرا للمعهد لم يمض على قيامه بعمل الإدارة سوى سنة واحدة.
وحينما أكتب عن الشيخ حمد في تلك المرحلة فإني أكتب بقلم المشاهد القريب منه، فقد كان -رحمه الله- يمر على الطلاب في فصولهم الدراسية وكنت تلمح في قسمات وجهه الوضاءة والمهابة فيتعاهد الطلاب بالنصيحة والتوجيه البناء، وإذا وجد خللا عالجه بحكمة وروية.
وكان يتابع مستويات الطلاب ويعتني بالمبرزين منهم فيشجعهم ويبث في روعهم الحماسة والنشاط، ويذكرهم بحاجة الأمة للنابهين من أبنائها ولسان حاله يقول:
فما الحداثة من حلم بمانعة ** قد يوجد الحلم في الشبان والشيب
وينتقي من طلاب المعهد من يتوسم فيهم النجابة فيشركهم في المخيمات التي كانت تقيمها جامعة الإمام آنذاك، فيلتقون بالمبرزين من طلبة الجامعة وبعض الأساتذة، ويأخذون عنهم علما كثيرا، وكنت ممن شارك في هذه المخيمات وانتفعت منها كثيرا. ولم يقتصر -رحمه الله- على هذا بل كان يشارك الطلاب أحيانا فيخرج معهم في بعض الرحلات إلى المناطق القريبة في آخر الأسبوع، ويباسطهم الحديث ويراعيهم كما يراعي أبناءه، ومن الذكريات التي لها صدى في النفس أنا خرجنا معه في رحلة إلى منطقة الأحساء وذهبنا إلى أحد عيونها المشهورة، وأخذ الطلاب في السباحة ولم يستنكف الشيخ أن يشاركهم السباحة في جو تربوي، وفي المساء انطلقنا إلى إحدى المزارع القريبة وابتدأنا برنامجا ثقافيا ممتعا.
وتكررت أمثال هذه الرحلات في أوقات متعددة يحوطها الود وتكتنفها المحبة.
ولم نكن ندرك في ذلك الوقت صعوبة ما يقوم به الشيخ حمد من اقتطاع لوقته الثمين من أجل تربية أبنائه الطلاب حتى دار الزمان وأصبحنا في عداد المعلمين فعرفنا مقدار التضحية التي كان الشيخ يبذلها، وأدركنا سر محبة الناس له.
تولى الشيخ حمد -رحمه الله- إدارة المعهد العلمي في الدمام على عزوف من الناس في المنطقة للدارسة فيه، فأعمل وسعه وارتقى بالنشاط العلمي للمعهد حتى أصبح مهوى أفئدة الراغبين في العلم والمعرفة، وعمل على إقامة المحاضرات الصباحية والمسائية والندوات والملتقيات العلمية، وأذكر من أبرز الذين قدموا للمعهد في ذلك الزمان الشيخ محمد بن عثيمين، والشيخ عبد الرحمن الفريان -رحمهما الله تعالى-، والدكتور زغلول النجار، والشيخ عبد المجيد الزنداني، والدكتور ناصر العمر- حفظهم الله - وغيرهم كثير من العلماء والدعاة والمربين
¥