الدليل الأول: حديث عروة بن مضرِّس - رضي الله عنه - قال:" أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله، إني جئت من جبل طي، أكللت راحلتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: " من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً فقد أتم حجه، وقضى تفثه " أخرجه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة من الحديث ظاهر: حيث دل على أن من وقف بعرفة نهاراً دون الليل فحجه تام، ولا شيء عليه.
ويُحمل فعله – صلى الله عليه وسلم - من الوقوف حتى الغروب على الاستحباب لأجل هذا الحديث.
فيكون وقوفه إلى وقت الغروب بمنزلة نزوله – صلى الله عليه وسلم - بعرفة قبل الزوال.
قال الشنقيطي – رحمه الله - " قوله – صلى الله عليه وسلم-:" فقد تم حجه " لا يساعد على لزوم الدم؛ لأن لفظ التمام يدل على عدم الحاجة إلى الجبر بدم. والحاصل أن من اقتصر في وقوفه على الليل دون النهار أو النهار دون الليل فأظهر الأقوال فيه دليلاً: عدم لزوم الدم"ا. هـ مختصراً.
الدليل الثاني: قوله - صلى الله عليه وسلم -: " من أدرك عرفات قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج"، وفي لفظ " من جاء قبل صلاة الصبح من ليلة جمع فقد أدرك حجه ". رواه أحمد والترمذي.
ووجه الدلالة: أنه إذا جاز الوقوف بعرفة ليلاً دون النهار بدون دم، فلأَن يجوز الوقوف بها نهاراً دون الليل بدون دم من باب أولى، ولا يصح التفريق بين الأمرين.
وبذلك يعلم أيضاً أن البقاء في عرفة إلى غروب الشمس هو فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهديه، ولكن القول بالنفرة قبل الغروب من يوم عرفة له حظه من الاستدلال والنظر، وقال به أئمة علم يقتدى بهم، وأن الحرج الذي يصيب الناس في النفرة من عرفة حيث لا يصلون إلى المزدلفة إلاّ في ساعات متأخرة من الليل يجعل المصير إلى هذا القول والتوسعة على الناس به له اعتباره، وإذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أذن لضعفة أهله بالنفرة من المزدلفةخوفاً من حطمة الناس فإن المعنى موجود اليوم وعلى وجه أشد في النفرة من عرفة.
* الدفع من مزدلفة قبل الفجر: هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – المبيت بمزدلفة إلى بعد طلوع الفجر، والمستحب الاقتداء برسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وأما الضعفة من النساء والصبيان والكبار والعاجزين والمرضى، وكذلك من لا يستغنون عن رفقته من الأقوياء فيجوز لهم الدفع بعد منتصف الليل. والدليل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: " بعثني – رسول الله صلى الله عليه ومسلم – في الثقل – أو قال في الضعفة – من جمع بليل ". والمذهب الشافعي وأحمد – رحمهما الله -. جواز الدفع بعد منتصف الليل لأهل الأعذار وغيرهم.
والعمل بهذا القول مهم مع كثرة الناس وشدة الزحام، وما يلحق الناس من جراء ذلك من الكلفة والمشقة.
* الترتيب بين أعمال يوم النحر: أجمع العلماء على استحباب الترتيب بين أعمال يوم النحر، وذلك بتقديم الرمي، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، كما رتبها النبي – صلى الله عليه وسلم – في فعله.
كما أجمعوا على جواز على تقديم بعضها على بعض في حق الناسي والجاهل.
واختلفوا في تقديم بعضها على بعض في حق العامد العالم، فمذهب الشافعي وأحمد وجمهور التابعين جواز ذلك مستدلين بأحد طرق الحديث المروي في " الصحيحين " عن عبدالله بن عمرو – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – سأله رجل: " يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح. قال: اذبح ولا حرج. وقال آخر: ذبحت قبل أن أرمي. قال: ارم ولا حرج، فما سئل عن شيء غلا قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج ". ولم يقيده بالناسي والجاهل.
ومثل هذا القول يتوكد مع الزحام الموجود الآن. والله أعلم
¥