لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) (الشورى)
فهذه أربع مواضع في القرآن الكريم تدل على أنه لا ينتفع بالآيات إلا أهل الصبر والشكر، الدين كله صبر وشكر، الإيمان نصفان صبر وشكر، حياة المسلم كلها صبر وشكر، ماذا يوجد في الطاعات والعبادات والتقرب إلى الله غير الصبر والشكر .. ؟ !
وأثنى الله على عبده أيوب بأحسن الثناء لأنه صبر فقال: ( .. إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (صّ:44)
فمدحه بقوله نعم العبد لأنه صبر، وحكم الله بالخسران حكماً عاماً على من لم يكن من أهل الصبر فقال: (وَالْعَصْرِ *إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)
وخص الله أهل الميمنة (أصحاب اليمين) بأنهم أهل الصبر والمرحمة فقال تعالى: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد:17)، وقرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان فقرنه بالصلاة فقال: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ .. ) (البقرة:45) وقرنه بالأعمال الصالحة فقال:) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .. ) (هود:11)، وقرنه بالتقوى فقال: ( .. إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ .. ) (يوسف:90) وقرنه بالتواصي بالحق فقال: ( .. وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:3) وقرنه بالرحمة فقال: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) (البلد:17)، وقرنه باليقين فقال: ( .. لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)، وقرنه بالصدق فقال: ( ... وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ .. ) (الأحزاب:35)، فنعم المنزلة منزلة الصبر ونعم الخلق خلق الصبر ونعم أهله أهل الصبر، فالصبر طريق الجنة:
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214).
هذا الصبر العناية به في القرآن الكريم كبيرة جداً دليلاً على أهميته، دليلاً على أنه خلق عظيم:
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة ** إذا استعنت بصبر أن ترى الفرج
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ** ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وقل من جد في أمر يحاوله ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
والصبر لدخول الجنة وسبب النجاة من النار، فالجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فكيف تدخل الجنة بدون صبر على المكاره؟، وكيف تقي نفسك النار بدون صبر عن الشهوات؟، وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على المعنى اللطيف في هذا الحديث، حفت الجنة بالمكاره؛ علمنا أنه لا طريق للجنة إلا عبر المكاره، لأنه قال حُفّت، من جميع الجهات، فإذا ما ركبت المكاره لا تدخل الجنة، والمكاره هي ما تكرهه النفس من المجاهدة اللازمة لأداء العبادات (صلاة الفجر – الوضوء في البرد- الصبر على المصائب- الجهاد .... )،فلا يمكن دخول الجنة إلا باختراق المكاره، ولا يمكن اختراقها إلا بالصبر، وأما النار فإنها حفت بالشهوات، ولا يمكن منع النفس من الدخول في النار إلا إذا صبر عن المعاصي وامتنع عن المعصية وحبس نفسه عن ذلك فهذه إذاً فضائل هذا الخلق الكريم.
ما حكم الصبر؟
أصل الصبر واجب، الصبر من حيث الجملة واجب، والله أمر به (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ .. ) (البقرة:45) ( .. اصْبِرُوا وَصَابِرُوا .. ) (آل عمران:200)
¥