تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بَلْ الرَّافِضَةُ الَّذِينَ لَيْسُوا زَنَادِقَةً كُفَّارَاً يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَقَالَتِهَا وَمَقَالَةِ الْجُمْهُورِ، وَيَرَوْنَ كِتْمَانَ مَذْهَبِهِمْ، وَاسْتِعْمَالَ التَّقِيَّةِ، وَقَدْ لا يَكُونُ مِنْ الرَّافِضَةِ مَنْ لَهُ نَسَبٌ صَحِيحٌ مُسْلِمَاً فِي الْبَاطِنِ وَلا يَكُونُ زِنْدِيقَاً، لَكِنْ يَكُونُ جَاهِلاً مُبْتَدِعَاً، وَإِذَا كَانَ هَؤُلاءِ مَعَ صِحَّةِ نَسَبِهِمْ وَإِسْلامِهِمْ يَكْتُمُونَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالْهَوَى، لَكِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ يُخَالِفُونَهُمْ، فَكَيْفَ بِالْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّذِينَ يُكَفِّرُهُمْ أَهْلُ الْمِلَلِ كُلِّهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.

وَإِنَّمَا يَقْرُبُ مِنْهُمْ «الْفَلاسِفَةُ الْمَشَّاءُونَ أَصْحَابُ أَرِسْطُو»، فَإِنَّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقَرَامِطَةِ مُقَارَبَةٌ كَبِيرَةٌ. وَلِهَذَا يُوجَدُ فُضَلاءُ الْقَرَامِطَةِ فِي الْبَاطِنِ مُتَفَلْسِفَةٌ: كَـ «سِنَانِ بْنِ سَلْمَانَ الْبَاطِنِيِّ» الَّذِي كَانَ بِالشَّامِ، وَ «الطُّوسِيُّ» الَّذِي كَانَ وَزِيرَاً لَهُمْ بِالأَلْمُوتِ، ثُمَّ صَارَ مُنَجِّمَاً لِهَؤُلاءِ وَمَلَكَ الْكُفَّارَ، وَصَنَّفَ «شَرْحَ الإِشَارَاتِ لابْنِ سِينَا»، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى مَلِكِ الْكُفَّارِ بِقَتْلِ الْخَلِيفَةِ، وَصَارَ عِنْدَ الْكُفَّارِ التُّرْكِ هُوَ الْمُقَدَّمَ عَلَى الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ «الدَّاسَمِيدِيَّةَ». فَهَؤُلاءِ وَأَمْثَالُهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَا يُظْهِرُهُ الْقَرَامِطَةُ مِنْ الدِّينِ وَالْكَرَامَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، لَكِنْ يَكُونُ أَحَدُهُمْ مُتَفَلْسِفَاً، وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ لِمُوَافَقَتِهِمْ لَهُ عَلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنْ الإِقْرَارِ بِالرُّسُلِ، وَالشَّرَائِعِ فِي الظَّاهِرِ، وَتَأْوِيلِ ذَلِكَ بِأُمُورِ يُعْلَمُ بِالاضْطِرَارِ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ. فَإِنَّ الْمُتَفَلْسِفَةَ مُتَأَوِّلُونَ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ أُمُورِ الإِيْمَانِ بِاَللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ بِالنَّفْيِ وَالتَّعْطِيلِ الَّذِي يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمْ، وَأَمَّا الشَّرَائِعُ الْعَمَلِيَّةُ فَلا يَنْفُونَهَا كَمَا يَنْفِيهَا الْقَرَامِطَةُ، بَلْ يُوجِبُونَهَا عَلَى الْعَامَّةِ، وَيُوجِبُونَ بَعْضَهَا عَلَى الْخَاصَّةِ، أَوْ لا يُوجِبُونَ ذَلِكَ، وَيَقُولُونَ: إنَّ الرُّسُلَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ، وَأَمَرُوا بِهِ لَمْ يَأْتُوا بِحَقَائِقِ الأُمُورِ، وَلَكِنْ أَتَوْا بِأَمْرِ فِيهِ صَلاحُ الْعَامَّةِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ كَذِبَاً فِي الْحَقِيقَةِ، وَلِهَذَا اخْتَارَ كُلُّ مُبْطِلٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمَخَارِيقَ لِقَصْدِ صَلاحِ الْعَامَّةِ، كَمَا فَعَلَ «ابْنُ التُّومَرْتَ» الْمُلَقَّبُ بِالْمَهْدِيِّ، وَمَذْهَبُهُ فِي الصِّفَاتِ مَذْهَبُ الْفَلاسِفَةِ، لأَنَّهُ كَانَ مِثْلَهَا فِي الْجُمْلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مُنَافِقَاً مُكَذِّبَاً لِلرُّسُلِ مُعَطِّلاً لِلشَّرَائِعِ، وَلا يَجْعَلُ لِلشَّرِيعَةِ الْعَمَلِيَّةِ بَاطِنَاً يُخَالِفُ ظَاهِرَهَا، بَلْ كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ رَأْيِ الْجَهْمِيَّةِ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِ الْفَلاسِفَةِ، وَنَوْعٌ مِنْ رَأْيِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ يَرَوْنَ السَّيْفَ وَيُكَفِّرُونَ بِالذَّنْبِ.

فَهَؤُلاءِ «الْقَرَامِطَةُ» هُمْ فِي الْبَاطِنِ وَالْحَقِيقَةِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، بَلْ وَإِيصَالُ النَّسَبِ إلَى الْعِتْرَةِ النَّبَوِيَّةِ , وَعِلْمُ الْبَاطِنِ الَّذِي لا يُوجَدُ عِنْدَ الأنْبِيَاءِ وَالأوْلِيَاءِ، وَأَنَّ إمَامَهُمْ مَعْصُومٌ. فَهُمْ فِي الظَّاهِرِ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ دَعْوَى بِحَقَائِقِ الإِيْمَانِ، وَفِي الْبَاطِنِ مِنْ أَكْفَرِ النَّاسِ بِالرَّحْمَنِ، بِمَنْزِلَةِ مَنْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مِنْ الْكَذَّابِينَ، قَالَ تَعَالَى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبَاً أَوْ قَالَ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير