أنه عليه السلام أهدى عن نسائه البقر، قلنا: نعم، وقد بين معنى ذلك الإهداء سفيان بن عيينة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة: أنه كان أضاحي، لا هدي متعة، ولا هديا عن قران. اهـ[المحلى] (7\ 193، 194). .
وعلى فرض أن ما ذبحه صلى الله عليه وسلم عن نسائه هدي تمتع أو قران فقد فعل الأفضل، ولا شك أن الأفضل ذبح ذلك يوم العيد.
د- وأما القول بأنه لم يعرف أحد من أصحابه نحر هدي تمتعه أو قرانه قبل يوم الأضحى- فإنه يمكن مناقشته: بأن عدم معرفة أحد من الصحابة نحر هديه قبل يوم الأضحى لا يعني منع ذلك، ولا نفي أن أحدا من الصحابة فعله، ثم إن الحديث الذي أخرجه الحاكم في [مستدركه] وذكر أنه على شرط مسلم، وأقره الذهبي - صريح في أن سعد بن أبي وقاص ذبح هديه قبل يوم النحر، وقد أخرجه الطبراني في [الكبير] وذكر: أن رجاله ثقات، وسيأتي مزيد من نقاش لهذا الحديث والاعتراض عليه بما في [مجمع الزوائد] عن عكرمة.
رابعا: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج لذلك القول بالإجماع بما ذكره ابن عابدين، ويمكن أن يناقش ذلك بما يلي:
لعل ابن عابدين رحمه الله يقصد بالإجماع: إجماع أهل مذهبه، مع أن ابن قدامة رحمه الله نسب إلى أبي حنيفة القول بوجوب هدي التمتع بالإحرام بالحج، وذلك في كتاب [المغني] كما نسب ذلك إليه ابن العربي في كتاب [أحكام القرآن] وابن مفلح في كتابه [الفروع].
أما أن يقصد ابن عابدين إجماع الأمة على منع ذلك فبعيد جدا؛ لوجود الخلاف القوي في المسألة بين العلماء من مالكيين، وشافعيين، وحنابلة، وغيرهم، ولأن مثل ابن عابدين لا يخفى عليه الخلاف في المسألة، لا سيما وهو خلاف مشهور، وعلى فرض أن ابن عابدين يقصد بالإجماع إجماع الأمة فما ذكره غير صحيح، والخلاف في ذلك مشهور يعرفه الخاص والعام.
خامسا: جاء في الصفحة الثامنة من البحث الاحتجاج بالمعنى بما ذكره ابن قدامة رحمه الله بقوله: لأن ما قبل يوم النحر لا يجوز ذبح الأضحية فيه. . . إلى آخره.
ويمكن نقاش ذلك بما ذكره ابن قدامة نفسه توجيها للقول بجواز تقديم ذبح هدي التمتع والقران قبل يوم النحر حيث قال:
ووجه جوازه: أنه دم يتعلق بالإحرام وينوب عنه الصيام، فجاز قبل يوم النحر كدم الطيب، واللباس؛ ولأنه يجوز إبداله قبل يوم النحر فجاز أداؤه قبله كسائر الفديات. اهـ[المغني] ومعه [الشرح الكبير] (3\ 505).
وبما ذكره في توجيه رواية الوجوب بعد الإحرام بالحج بقوله؛ لأن الله تعالى قال: سورة البقرة الآية 196 فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وهذا قد فعل ذلك؛ ولأن ما جعل غاية فوجود أوله كاف، كقوله تعالى: سورة البقرة الآية 187 ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [المغني] ومعه [الشرح الكبير] (3\ 503). .
وبما ذكره الشافعي رحمه الله بقوله: وإذا ساق المتمتع الهدي معه أو القارن لمتعته أو قرانه، فلو تركه حتى ينحره يوم النحر كان أحب إلي، وإن قدم فنحره في الحرم أجزأ عنه من قبل أن على الناس فرضين: فرضا في الأبدان، فلا يكون إلا بعد الوقت، وفرضا في الأموال، فيكون قبل الوقت إذا كان شيئا مما فيه الفرض، اهـ[الأم] للشافعي (2\ 217). .
وبما ذكره ابن رجب في [قواعده] قال: العبادات كلها- سواء كانت بدنية أو مالية أو مركبة منهما- لا يجوز تقديمها على سبب الوجوب، ويجوز تقديمها بعد سبب الوجوب، أو قبل شرط الوجوب، ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة، وذكر منها ما ذكرتم قال: ومنها صيام التمتع والقران، فإن سببه العمرة السابقة للحج في أشهره، فبالشروع في إحرام العمرة قد وجد السبب فيجوز الصيام بعده، وإن كان وجوبه متأخرا عن ذلك، وأما الهدي فقد التزمه أبو الخطاب في انتصاره، ولنا رواية: أنه يجوز ذبحه لمن دخل قبل العشر لمشقة حفظه عليه إلى يوم النحر. اهـ[القواعد] لابن رجب ص 6، 7. .
كما أنه يمكن مناقشة ما ذكره ابن قدامة رحمه الله من قياسه الهدي على الأضحية بما ذكره ابن مفلح في [الفروع] حيث قال: وقاسوه على الأضحية والهدي وهي دعوى. اهـ الفروع، (2\ 249).
¥