- عن جابر: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة ضحى يوم النحر وحده، ورمى بعد ذلك، بعد زوال الشمس)، [متفق عليه]
- عن ابن عمر: (كنا نتحين، فإذا زالت الشمس رمينا).
- عن ابن عباس: (رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمار حين زالت الشمس). [الترمذي]
- عن عائشة: (فمكث بها ليالي التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس). [أبو داود]
فهذان أمران متفق عليهما، وبذلك يخرج توقيت الرمي عن مرتبة الركنية؛ لأن من شرط الركن أن يكون بنص خاص، والتوقيت هنا بنص عام.
إذن توقيت الرمي - حتى الآن - دائر بين الوجوب والاستحباب، فإذا ثبت عدم الترخيص فيه لأحد، أو الترخيص لطائفة، أو عدم الصارف، فإن مرتبته هو الوجوب، ومع وجود الصارف فهو مستحب؟.
فلنختبر الأمر إذن؟.
الذين قالوا بعد الوجوب يقولون بالاستحباب. فالأدلة التي يوردونها فلا بد أن تكون صارفة.
فلا تفيد إذا كان فيها ترخيص لفئة؛ لأنه حينئذ يكون من جنس الترخيص في الدفع من مزدلفة ليلا، وترك المبيت بمنى ليالي التشريق، وجمع رمي يومين في يوم، لأصحاب الأعذار.
كما لا تفيد إذا لم يرد فيها ترخيص لأحد؛ لأنه حينئذ يكون من جنس عدم الترخيص لأحد بالنفرة قبل الغروب من عرفة.
فنحن ننظر في هذه الأدلة التي أوردوها، والتي يفترض أن تكون صارفة عن الوجوب إلى الاستحباب.
* * *
أدلة المجوزين الرمي قبل الزوال: [من كتاب: افعل ولا حرج. للشيخ الدكتور سلمان العودة]
الدليل الأول:
حديث عبد الله بن عمرو: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: (افعل ولا حرج) متفق عليه
هذا الأثر لا علاقة له بالمسألة:
فأولا: هو في أعمال يوم النحر، وإنما النزاع في الرمي أيام التشريق.
وثانيا: هو في ترتيب الأعمال، وليس في توقيت العمل المعين.
وثالثا: لو أن الصحابة رضوان الله عليهم فهموا من قوله هذا - صلى الله عليه وسلم - عموم الدلالة حتى في وقت الرمي أيام التشريق، لنقل ترخص بعضهم بذلك في حجهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو جاءه من يقول: "رميت قبل أن تزول"، فلما لم ينقل إلا رميهم بعد الزوال: دل على أن قوله صلى الله عليه وسلم: (افعل ولا حرج) لا يشمل توقيت الرمي في أيام التشريق.
فثبت بهذا: أن هذا الأثر لا يصلح صارفا للأمر العام والفعل النبوي عن الوجوب إلى الاستحباب.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {واذكروا الله في أيام معدودات}.
قالوا: "الرمي من الذكر، كما صح عن عائشة عند الدارمي وغيره، فجعل اليوم كله محلا للذكر، ومنه الرمي. وهذا يشبه أن يكون كالنص في المسألة عند التأمل".
وهذا استدلال ضعيف متكلف .. !!.
ذلك لأنه لا صيغة للتعبير عن المعنى، سوى الأيام، أو الليالي. والليالي غير وافية لليوم؛ لأنها نصفه، فما بقي إلا التعبير بالأيام، ففيها يجتمع الليل والنهار، فيدل عليهما جميعا، وعلى مافيها من الذكر، من: تكبير، وذبح، وصلاة، ورمي فيه الذكر. كل منها في وقتها المحدد بالفعل النبوي.
فهو دليل على أن هذه الأيام أوقات للذكر؛ كل ذكر فيه، محله هو الذي وُقِّتَ له شرعا، فالتكبير مثلا فيها محدد مقيد بأعقاب الصلوات، ولا يقال لأجل أنه جعل اليوم كله محلا للذكر، فالتكبير يكون فيه كله، حتى في غير أعقاب الصلوات.
فإذا رمى بعد الزوال صح أنه من ذكر الله تعالى في هذه الأيام، وإذا رمى قبل صح كذلك أنه ذكر، لكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين، فقد بيّن وقته بعد الزوال، فوجب حمل الآية عليه.
فثبت بهذا: أن هذا الدليل لا يصلح صارفا عن الوجوب إلى الاستحباب.
الدليل الثالث:
قالوا: "لا دليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال، لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من الإجماع، ولا من القياس".
هذه مسألة: هل الوجوب لشيء لا يستفاد إلا من النهي عن ضده؟.
فإن معنى هذا الكلام: أن وجوب الرمي بعد الزوال لا يثبت إلا إذا ثبت النهي عن الرمي قبل الزوال. فإن لم يوجد النهي، فالرمي بعد الزوال ليس بواجب.
وفعله صلى الله عليه وسلم، وأمر به أمرا عاما: (خذوا عني مناسككم)، فلا يفيد أكثر من استحبابه .. حتى لو لم يرخص لأحد في الرمي قبل الزوال .. حتى لو لم يرد صارف.
وبمثل هذا يمكن إبطال واجبات كثيرة؛ لأجل أنه لم يرد فيها نهي عن ضدها!!.
والمعلوم أن الوجوب يثبت بمجرد الأمر، لقوله صلى الله عليه وسلم:
¥