تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهو دليل على أن هذه الأيام أوقات للذكر؛ كل ذكر فيها، محله هو الذي وُقِّتَ له شرعا. لا يلزم منه أن كل ذكر فيها فهو مطلق في كل الأوقات. وإذا كان الطواف والسعي في كل هذه الأوقات مطلقا، فهذا لثبوته عن الشارع نفسه هذا الإطلاق. والرمي جاء عن الشارع توقيته بما بعد الزوال، فوجب الأخذ بهذا التقييد، كما وجب الأخذ بذلك الإطلاق.

فإذا رمى بعد الزوال صح أنه من ذكر الله تعالى في هذه الأيام، وإذا رمى قبل صح كذلك أنه ذكر، لكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم مبين، فقد بيّن وقته بعد الزوال، فوجب حمل الآية عليه.

فثبت بهذا: أن هذا الدليل لا يصلح صارفا عن الوجوب إلى الاستحباب.

الدليل الثالث:

قالوا: "لا دليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال، لا من الكتاب، ولا من السنة، ولا من الإجماع، ولا من القياس".

هذه مسألة: هل الوجوب لشيء لا يستفاد إلا من النهي عن ضده؟.

فإن معنى هذا الكلام: أن وجوب الرمي بعد الزوال لا يثبت إلا إذا ثبت النهي عن الرمي قبل الزوال. فإن لم يوجد النهي، فالرمي بعد الزوال ليس بواجب.

وفعله صلى الله عليه وسلم، وأمر به أمرا عاما: (خذوا عني مناسككم)، فلا يفيد أكثر من استحبابه .. حتى لو لم يرخص لأحد في الرمي قبل الزوال .. حتى لو لم يرد صارف.

وبمثل هذا يمكن إبطال واجبات كثيرة؛ لأجل أنه لم يرد فيها نهي عن ضدها!!.

والمعلوم أن الوجوب يثبت بمجرد الأمر، لقوله صلى الله عليه وسلم:

- (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه). [مسلم/الحج/فرض الحج مرة في العمر].

- ولأمر الله تعالى بذلك: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.

فهذا نص على أن مجرد الأمر يثبت به الوجوب، وأما النهي فطريق آخر للوجوب، فإذا اجتمعا كان الوجوب أقوى.

فإذا كان الأمر العام ضعيفا في الإيجاب، فإن في اتباعه بالفعل النبوي تقوية، وفي الترخيص فيه لأحد لعذر: ثبوت لوجوبه. وفي حال لم يرخص لأحد: فتأكيد لوجوبه.

وفي كل حال: هذا الاستدلال لا يصلح أن يكون صارفا؛ لبطلانه من الأساس.

الدليل الرابع:

قالوا: "لو كان الرمي قبل الزوال منهيا عنه لبينه النبي صلى الله عليه وسلم بيانا شافيا، حينما أجاب السائل الذي سأله عن رميه بعدما أمسى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز".

ألا يكفي في البيان الشافي: أمره العام، وفعله، وعدم الترخيص لأحد، أو الترخيص لفئة؟.

هكذا ثبتت واجبات، كالوقوف بعرفة حتى الغروب، والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، والجمار، والمبيت بمنى. وهذه وإن خالف في وجوب بعضها أحد، إلا أنه لا أحد يقول بعدم وجوب شيء منها. فتلك التي وجبت منها: كيف استدل على وجوبها إذن؟!.

فهذا كذلك استدلال ليس بصارف.

الدليل الخامس:

قالوا: "رمي الرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الزوال، بمثابة وقوفه بعرفة بعد الزوال إلى الغروب. ومن المعلوم: أن الوقوف بعرفة لا ينتهي بذلك الحد، بل الليل كله وقت وقوفه أيضا".

وقت الوقوف بعرفة لا ينتهي عند الغروب لورود نص فيه، هو حديث عروة بن مضرس.

فأين مثل هذا النص في الرمي قبل الزوال؟.

إلا إن كان مقصود هذا الدليل: الاستدلال به على جواز الرمي ليلا. فهذا ليس محل النزاع.

الدليل السادس:

"واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده:

(أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاة أن يرموا جمارهم بالليل، أو أية ساعة من النهار). أخرجه الدارقطني، وفي إسناده ضعف، وله شواهد عن ابن عباس، وابن عمر لا تخلو من ضعف".

لن نلتفت إلى ما قيل في الأثر من ضعف، بل نعامله معاملة الصحيح، وله جواب، هو: أن فيه ترخيصا. وذلك دليل وجوبه، فلولا أنه واجب لما احتاجوا إلى ترخيص الشارع.

ومعنى ذلك: أن المضطر وصاحب الحاجة ليس كغيره. فلا يكون حكما عاما إذن.

فإنه من الفرق الكبير أن يقال: لصاحب العذر أن يترخص بالرمي قبل الزوال دون غيره.

وأن يقال: له أن يرمي قبل الزوال بدون عذر.

فالأول يدل على وجوب الرمي بعد الزوال، لكن يرخص لأصحاب الأعذار؛ مضطرين أو ذي حاجة.

والثاني يدل على استحباب الرمي بعد الزوال، وجوازه قبل لكل أحد؛ مضطرا أو غير مضطر.

والأثر - إن صح - يدل على الوجوب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير