تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما سمعته منه – رحمه الله وأثابه – أنه لما لقي الشيخ أحمد ابن الصديق بالمكتبة الظاهرية بدمشق وتذاكرا، كان الشيخ ناصر يأتيه بنوادر المخطوطات الحديثية التي لم يرها الشيخ الغماري، وربما لم يسمع بكثير منها، وفيها أعلاق بخطوط مؤلفيها، أو سُمعت على كبار الحفاظ، وفي أثناء المذاكرة والمناقشة احتدّ َالغماري وصَاحَ، وكان في خُلُقِه حِدة خصوصا إذا نوقش في معتقده في وحدة الوجود والقائلين بها وهو من الغُلاة في هذا الباب، فرد عليه الشيخ ناصر بهدوء، كيف تفعل هذا يا شيخ أحمد وأنت عَربي وشريف هاشمي كما تقول، وأنا عجمي مع هذا احتَفظ بهدوئي وأدبي؟!

وبالجملة فذكرياتي مع الشيخ " ناصر الدين بحق" طويلة، ولا أذكر الساعة منها إلا هذا، وقد أثيرت في زيارتي الأخيرة للمدينة المنورة الموسم الماضي مسألة روايتي عن الشيخ مناولةً، وكأن بعض الإخوان من تلامذته تشككوا وتوقفوا قائلين: إننا طلبنا من الشيخ مراراً أن يجيزنا فأبى قائلا: أنا لا أفتح على نفسي هذا الباب، فكان جوابي أن هذا رزق معنوي يسره الله لي، على أن هذا كان منذ ما يقرب من أربعين سنة وربما كان معظم هؤلاء لم يولد بعدُ، والشيخ يومئذ فتى مكتحل صحيح البنية، يتوقد نشاطاً، وصادف أن زاره طالب مغربي لمس من مذاكرته وصدقَه وحرصَه على العلم، وتعلقَه بالحديث وعلومه وأهله، فقدَّم إليه الشيخ مع القِرَى (وكان قِطَعا من الحَبْحَب، البطيخ الأحمر كما أذكر) رسائل مما طُبع له يومئذ هدية، فاستأذنه الطالب في الرواية بالمناولة، فأذن له جبراً لخاطره، وإتماما معنويا لقراه، وأذكر أن الشيخ أبا إسحاق الحوَّيني المصري – وهو من أنجب وألمع تلاميذ الشيخ – لم يسألني هذا السؤال، وقد زرته بكفر الشيخ منذ نحو سنة ونصف، وأضافني وأكرمني وأهداني كتابه " تنبيه الهاجد" فأخبرتُه وأنا معه بمكتبته العامرة أن لي رواية عن كبار مشايخ المغرب المعاصرين، وعن شيخنا معا ناصر، فرغب – حفظه الله ونفعه- في الإجازة، فكتبتُها له مجلسا في دفتر له كبير، وعلى كل حال فمن المعلوم أن زَمن الرواية انقضى على رأس الثلاثمائة، وأن السنة جُمعت ولم يبق منها شيء مجهولا، وأن مقصود الرواية بالإجازة إنما هو التبرك بربط الاتصال بأولئك العلماء وأصولهم الحديثية، تقليد علمي جَرَى به العمل منذ قرون، فمن تبنَّاه وحَرَص عليه بحسن نية، فقد أحسن، وأولى وأحق بالعناية منه: حفظُ المتون والتفقه فيها والاستنباط بشروطه بعد نقد الأسانيد، والبحث عن العلل وما يتعلق بذلك، وهذا مجال فسيح جداً تنقطع الأعمار دون استقصائه، ولذلك أشهد بمنتهى الصدق والنزاهة – والله على ما أقول وكيل – أنني ما رأيتُ فيمن لقيت من العلماء – وهم كثير – وأخذت عنهم مثل الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني الأرناؤوطي في علمه وإخلاصه واطلاعه على علوم الحديث ودقائقه، وانصافه في البحث والمناظرة، علاوة على سلوك أشبه بسلوك السلَف الصالح، أقول هذا ولا أزكي على الله أحد. وسائر من عرفتُ من مشايخ لا يخرجون عن صنفين: فقهاء مقلّدين متصوفين، غارقين إلى أذقانهم في البدع، لا يطمع في الاستفادة منهم من يناقشهم في مصائبهم ويحاول تنبيهَهم على ما هم عليه من انحراف وضلال، وعلماء محدثين مقَلدين يترسمون خُطى من سبقهم دون بحث ولا تجديد، على اتضاع في السلوك وانحراف في العقيدة، وتورط في السياسة واكتواء بنارها، وهؤلاء مشايخي – وهم كبار علماء الحديث بالمغرب في العصر الحديث – أجلهم وأعلمهم وأتقنهم الشيخ أحمد بن الصديق ولكنه صوفي أسير بدع وحدة الوجود والقول باكتساب النبوة، والدفاع عن إيمان فرعون إلخ القائمة السوداء التي يبصُق عليها العلم والإيمان والتاريخ، يليه الشيخ عبد الحي الكتاني، وهو صوفي عَريق صاحب طريقة، وموقفه من الملك محمد الخامس شهير، وابن خالته الشيخ عبد الحفيظ الفاسي الفهري وهو أعدلهم سلوكا. أنفق من عمره رُبُعه في التاريخ لفروع الشاذلية

(وهي طريقة صوفية) بالمغرب، وهذا أخونا الكبير الشيخ محمد المَنُّوني، وفضائله جمة، وقد تدبجت معه، وهو كتاني الطريقة، يتهيب الكلام فيها وانتقاد أصحابها لفرط اعتقاده، وهكذا يَفتِك سلطانُ البيئة بالمغرب بسلامة العقول والأديان، ولله في خلقه شؤون، كتب هذه الذكريات يوم الأربعاء 6 صفر الخير 1421هـ عبيد ربه أبو أويس محمد بوخبزة الحسني عفا الله عنه.

نسألكم الدعاء عادل خزرون

ـ[طارق الحمودي]ــــــــ[01 - 01 - 07, 10:16 م]ـ

أسمح لكل من أراد طبع هذه الرسالة شريطة أن يستأذنن عبر بريدي الإلكتروني [email protected] وشكرا

ـ[مصطفي حسان]ــــــــ[01 - 01 - 07, 10:22 م]ـ

رحم الله الشيخ الألباني رحمة واسعة

وجزاكم الله خيرا علي هذا النقل المبارك

ـ[منير بن ابي محمد]ــــــــ[04 - 01 - 07, 01:19 ص]ـ

جزاكم الله خيرا

.ونعم لو توضع الرسالة وغيرها من تراث الشيخ حفظه الله في ملفات مرفقة.

والسلام عليكم ورحمة الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير