تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلسفة "حزب البعث العربي الاشتراكي" ومذهبيته:

يقول ليونارد بايندر [ xiii]: " يمثل عرض عفلق للفكرة القومية من منظوره البعثي خليطاً من الفلسفات الغربية الشائعة، فهو يأخذ من هيردر [ xiv] مقولته: "أن لكل أمة رسالة خاصة بها، عليها أن تؤديها، وأن في وسع كل أمة أن تسهم عن طريق هذه الرسالة في تحقيق الانسجام العالمي"، ويضمَّن عفلق عرضه – أيضاً - تأكيد هيجل على التاريخ وعلى الوجود القومي فيه، لكنه يستعيض عن جدل هيجل المنطقي، بمفهوم "الحلقة التاريخية" في الصعود والهبوط. وتظهر في كتابات عفلق– أيضاً - نظرية ماركس في الصراع الطبقي، كما يضمنها تأكيداً كبيراً على الأساس الاقتصادي للسياسة، ولكنه يرفض "الحتمية" التي تبناها ماركس، كما يرفض "التفسير المادي" رفضاً كاملاً. وكانت الاشتراكية التي تبناها عفلق جزءاً من فكرته القومية البعثية. تماماً كما كانت صهيونية بورسوف جزءاً من اشتراكيته، وأخيراً نجد في كتاباته شيئاً من "المذهب الحيوي" الذي نادى به برجسون" [ xv].

ويشرح بايندر كيف قام عفلق بانتقاء وتلفيق مركب مذهبيته من هؤلاء الأربعة: فيقول: "ومن المفيد إلقاء بعض الضوء على نظرية عفلق القومية البعثية ما دام بصياغته هذه يكاد يخلو من المعنى (على حد تعبير الكاتب)، وقد أخذ من هيجل مذهبه بعد تطويره. فالمذهب الجدلي عند هيجل فحواه: أن الحياة العقلية منفصلة تمام الانفصال عن التاريخ الواقعي، ولذلك استعاض عنه بمفهوم "الحلقة التاريخية في الصعود والهبوط" وهذا المفهوم يمثل رؤية عفلق للتاريخ العربي وتمثيله بحلقات يبلغ فيها أوج مجده ثم ما يلبث أن يتردى إلى الحضيض، والمعيار لديه في هذا الارتفاع والانخفاض، هو نقاء العنصر باعتباره المقياس الوحيد، ويلعب تفسيره هذا للتاريخ دوراً أساسياً في نظريته القوميّة البعثّية، ولذلك عارض التفسير المادي للتاريخ.

وبتلك التعبيرات والنظريات الملفقة المزيج عن "القومية العربية البعثية" استطاع عفلق أن يصوغ مذهبية الحزب بعد أن انتقى من تلك الأفكار انتقاءًا بحيث لواها كي تلتئم في نسيج واحد للتعبير عما أراده، فلقد لفق وطرح تصورات وحذف أخرى وحوّر وحرّف فيما حذف وفيما أخذ، نعم إنه فعل، ولكن في مثل هذا المجال، وهو مجال فلسفي هل يحق للفيلسوف أن يعرَّف الشيء أو الحدث كما يريد أو يتصور؟ جواب عفلق: نعم، ولذلك تبنى عفلق هذه الفكرة وهي:"أن الفكر يتصلب فيعند، ومن يعند ينتهي إلى أن يلوي الأشياء، وفقاً لفكرته بدلاً من تنظيم فكره وفقاً للأشياء" [ xvi]، ولذلك فإن القائد المؤسس قد لوى عنق الفكر القومي كله ثم الفكر الإسلامي كله ليقدم لمن يغتر بفكره من أنصاف المتعلمين تلك الخلطة العجيبة المتنافرة من الأفكار.

حتمية الانتماء إلى البعث:

تتلخص رؤية عفلق في النظرية القومية البعثية أن مرحلة الانحطاط التي عاشها العرب في عصر تأسيس الحزب ولا يزالون يعيشونها في الوقت الراهن جعلت كثيراً منهم لا يفهمون حقيقة أنفسهم ولا حقيقة قوميتهم ولا يدركون في الحقيقة هويتهم، فصاروا غير مدركين أنه ليس أمامهم مجال لاختيار أن يكونوا غير بعثيين، لأن القومية العربية البعثية موجودة فيهم من غير أن يكون للإنسان العربي دخل في تقبّله الإيجابي والاختياري لها [ xvii]، لأنها يعني "القومية العربية البعثية" شبيهة باسمه أو صورته، فهي جزء ثابت وفطري في ماهيته نابت فيه حتى قبل مولده، وكما أن من العبث أن يضيع الإنسان حياته في التألم، لأنه لم يولد في أسرة غير أسرته، أو يحمل صورة غير صورته، فإن من العبث أن يحاول تحرير نفسه مما يربطه بأمته أو يشده إليها، ويكرر القائد المؤسس هذا المعنى في أكثر من كتيب من كتاباته [ xviii].

رفض عفلق التحليل واعتماد الرؤية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير