تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هذه الرؤية يعتقد أن مسألة القوميّة البعثيّة لا تحتاج إلى تحليل مقوَّماتها أو عناصرها، فهي بديهيّة أوليّة لا تحتاج إلى برهان، فكأنها من البديهيات أو مسلمات ما قبل المنهج، وهو في هذا يأخذ عن برجسون قوله: "إن التحليل إنما هو تفكيك للأشياء إلى عناصر ثابتة، غير أنه تفكيك لن يفضي إلا إلى عالم مجرد أجوف" [ xix]. ويصف عفلق "التحليل" بأنه يعري الأمور من لحمها ودمها، ويقود إلى عدم الدقة، وإظهار المتناقضات بمظهر المتشابهات، وتحويل الحقائق إلى مجرد كلمات [ xx]، فكلاهما هنا عفلق وبرجسون يرفضان الاستقراء والاستنباط ويعتمدان "الرؤية" لأن الرؤية- في نظرهما - تنفذ إلى الأشياء دون وسيط، وما هو أوّلى لا يحتاج إلى برهان، خلافاً لما هو نظري أو كسبي – عند عفلق – أما الأولى فهو نقطة البداية لأي برهان [ xxi]، وعندما يرفض عفلق "التحليل" فإنه من الجهة الأخرى يتمسك بـ "الأيديولوجية".

الحزب هو الأمة:

يقول عفلق: "الأمة ليست مجموعة عدديّة وإنما هي أيديولوجيّة تتجسدّ في تلك المجموعة أو جزء منها [ xxii]، والجزء المقصود من المجموعة هو طلائع الأمة العربية أي "الحزب" الذي يقع على عاتقه عبء تعبئة الأمة وراء الفكرة القومية البعثية وقيادتها في أداء رسالتها الخالدة. وهنا يصبح الحزب هو الأمة، ودور الأمة لا يعدو أن يكون في جعلها تنكبّ على متابعة فكر الحزب صماً وعمياناً في حالة تقليد ومتابعة لا تبالي إذا كانت تلك المتابعة تحدث للأمة قناعة بذلك الفكر أو لا تحدث.

ويعلق ليونارد على ذلك بقوله: "ليس من العسير أن يكون وراء هذا الرأي إيمان بالجماعية الصارمة ونزعة سلطوية ترغم الناس على الحرية!! أو تجبرهم على إدراك مصائرهم الصحيحة مهما كانت معتقداتهم الواعية، فالمشكلة في رأيه مثل كل شيء حملُ العربيّ على الإحساس بطبيعته الأصلية، فهو يفترض القبول على أساس الإيمان" [ xxiii].

إن عفلق وضع تصوراً جديداً للفكرة القومية البعثية ينسجم والمذهب القومي الخاص بالبعثيين الذي صاغه باقتباساته المشار إليها، والواقع أنه توخى بذلك نقطتين مهمتين في العقيدة البعثية هما:

- إعادة صياغة فكرة القومية العربية البعثية لتكون إطار مناسباً للمذهبية وخصوصياتها، ولفصل البعثيين عن بقية الفصائل القومية، فلا تنطبق عليها انتقادات المسألة القومية بعامة، فهي مختلفة عن القومية الغربية في شقيها الماركسي والتقليدي من ناحية، وغلق الباب أمام تحليل القوميين العرب الذين وصفهم عفلق بالرجعيين الذين يقحمون الدين عنصراً أو مقّوماً من مقومات هذه القومية.

- وأكد أن الطليعة هي وحدها التي تعي قوميَّتها في مرحلة الانحطاط، وتستوعب قيمها، وقد ألهمت الإيمان بدور قوميتها إلهاماً، فهي تتولى قيادة ثورة البعث، وثورة البعث هي إجراء البذل الفطري والخلقي.

البعثيون وتبديل القيم العربية:

ولقد أجاب عفلق على سؤال عن ماهية البعث وأهدافه فقال: "إن الهدف هو تبديل القيم الاجتماعية للعرب، لذا فإنه هدف بعيد المدى، إذ أن الثورة يجب أن تتناول طريقة الناس في التفكير" [ xxiv] إضافة إلى الأفكار ذاتها.

الطلائع والقسوة والاستبداد:

لذلك فالطليعة من حقها أن تتحدث باسم المجموع، ولكي تقوم بدورها فإن على هذه الطلائع أن تحتفظ بحبها للجميع [ xxv]، وإذا قدر لها أن تقسو في معاملتها على الآخرين، فإنما تفعل ذلك رغبة منها في إعادتهم إلى أنفسهم، وعندما يقسو الآخرون عليها فإن هذا يعني أن هؤلاء ينكرون أنفسهم وينكرون ذاتهم، فإرادتهم الحقيقية مع هذه الطلائع وإن كانت خفية وكامنة، وإن ظهروا بمظهر الذين يعملون ضدها. إذن فإن هذه القسوة على الآخرين إنما هي من أجلهم فهي تحتفظ بحبها للجميع، وبذلك شرع عفلق للقسوة والاضطهاد واعتبر الطغيان مشروعاً للطلائع، لها الحق أن تمارسه على الأمة وفي مصلحتها، وذلك قد يفسر ظاهرة استخدام الفنانين والأدباء، شعراء وكتاباً، محامين وأطباء وطلبة، ومعظم مثقفي الحزب، للتنويه بالقسوة والاضطهاد والإشادة بهذا الحق، حق القسوة، بهدوء ولذة، ومن لم يستطع منهم الممارسة فليمتع نفسه بالفرجة على الضحايا. أما القسوة إذا صدرت عن غير الطلائع فهي وحشية وإرهاب حزبيّ يفعله قوم هم أعداء أنفسهم قبل أن يكونوا أعداء تلك الطلائع. وتلقى قضية الطلائع في عقيدة القائد المؤسس عفلق

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير