تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اهتماماً خاصاً، وخير ضمان لتقويتها - في نظره - هو الاحتفاظ بنقائها وصفائها وذلك برعايتها منذ عهد الطفولة وهي ما تزال بذوراً لم تلوثها البيئة الاجتماعية؛ خاصةً وأن الهدف البعيد الذي يتوخاه الحزب هو تبديل قيم العرب الاجتماعية وتغيير طريقتهم في التفكير، وإبدال أفكارهم بغيرها، بحيث تنتهي بإحلال أفكار الحزب محلها، ولذلك فإن التوجيه العقائدي ينبغي أن يتركز في الطفولة المبكرة ليؤدي ثماره.

قيم حزب البعث والجاهلية:

ولكن ما هي القيم الجديدة التي عمل عفلق وطليعته على تجسيدها في العراق الذي ابتلي بحكمهم؟ وما هي طريقة التفكير القومية البعثية الجديدة التي حاول "حزب البعث العربي الاشتراكي" إرساء دعائمها في العراق المنكوب؟ يتحدث مطاع صفدي في مؤلفه "حزب البعث" عن آراء عفلق: بأنها "تنصب على الوصف والمبالغة، وصف عظمة الأمة العربية، ورفعها إلى مستوى الوجود الخارق، وإضفاء مختلف القدرات الفردية والخطابية عليها، وتنزيهها عن أية مفسدة أو نقيصة، وقد مهد عفلق أذهان أتباعه للاعتزاز بمرحلة "الجاهلية" من تاريخ العرب خاصة، واعتبار هذه الجاهلية بمثابة الأصالة الكاملة للوجود العربي، والقائد المؤسس يبدو تلميذاً فاشلاً وهو يحاول إسقاط فكرة "العصبية" الخلدونية ويعبر عنها بأفكاره. وبالمقابل حاول فكر عفلق إضعاف المرحلة الإسلامية، ولو بطريقة غير مباشرة واعتبارها مرحلة تساهل أدت إلى خلط العرب بغيرهم وإضعاف بعض خصائصهم إلى حد كبير" [ xxvi]، ولذلك أعاد تفسير الإسلام، وفسره كما فسر القومية العربية تفسيراً بعثياً يتناسب وذلك التوجه.

فلم يكن لدى البعثي ما يتعارض مع انتمائه الإسلامي حسب ذلك التفسير حتى لو رفض الإسلام شريعة وعقيدة وتبنى الماركسية اللينينية بديلاً عنه، وتأمل قول شاعرهم:

آمنت بالبعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ما له ثاني

أو ما قاله شاعر بعثي آخر لصدام حسين:

تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال

ويقول القائد المؤسس:"إن تأثر الشباب بالأدب والحماسة الشعرية والأساليب الخطابية المباشرة أقوى من تأثره بالدراسة الجادة"، فانطلق المثقفون الثوريون من الصفر في تاريخ أمتهم، ومازال تاريخ العرب مجهولاً حتى اليوم عند هؤلاء المثقفين البعثيين [ xxvii].

الحزب والثقافة الغربية:

لقد نقل عفلق تقليد الإعجاب بالثقافة الغربية إلى البعثيين، وأصبح الإقبال على قراءة "اندريه جيد" و"برجسون" أساساً عقائدياً، ويلاحظ أن الكاتب "مطاع صفدي" رغم أنه كان من قيادات الحزب لم يستطع فهم هذه النزعة وتفسير دوافعها، فهو يقول: "إن عفلق ينادي بالبساطة وبذلك يمنع التعمق، وينادي بالإيمان فيمنع التحليل والمقارنة، ولذلك صار الثوريون يأنفون من طرح الأسئلة حتى على أنفسهم، لأن ذلك – في نظر عفلق - يوحي بالتشكيك" [ xxviii] ولكن لو عدنا لفلسفة عفلق في "التاريخ وتفسيره للتاريخ العربي" وتناولنا مقولته: في أن التاريخ يتألف من حلقات تتراوح بين الصعود والهبوط لأدركنا على الفور أن تمجيده الحماسة والشعر والخطابة في الأدب لأنها كانت فعلاً بعض مميزات "الجاهلية" عهد ما قبل الإسلام، وأن إشاعته الثقافة الفرنسية، ودراسته فلسفة برجسون، لأن عفلق أخذ منه صياغة مذهبه في عدم الاعتراف بالتحليل. وبذلك يحقق عفلق عدة أهداف أولها: إحداث قطيعة بين الشباب العربي والإسلام والتراث الإسلامي، وتعويضهم عنه بالتراث الجاهلي، ثم العبور بهم من الجاهلية إلى ما انتقاه من فلسفة برجسون وهيغل وهردر وماركس. فالإسلام ملوم – في نظر عفلق – لأنه فتح الباب لخلط العرب بسواهم "ألم يكتب طلفاح "خال صدام حسين والقيم على تربيته" كتاباً يلوم فيه الخالق تبارك وتعالى لأنه خلق الفرس والأكراد والذباب". وأنه- سبحانه وتعالى - عمّا قال خال صدام علواً كبيراً كان مخطئاً في ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير