تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كيف نصدق من يقول بأن قلة المطر سببها الذنوب؟]

ـ[عيسى بنتفريت]ــــــــ[12 - 01 - 07, 07:36 م]ـ

[كيف نصدق من يقول بأن قلة المطر سببها الذنوب؟]

كثيراً ما نسمع أن عدم نزول المطر من السماء سببه معاصي العباد، فإذا كان كذلك فهل الذين في الهند وغيرهم، الذين تأتيهم السيول باستمرار، يعبدون الله أكثر مما نحن نعبده، أو أن المسألة دوران فلك. نرجو توضيح ذلك، حيث بذلك يتحدث الناس؟

على كل مسلم أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق وتكفل بأرزاقهم، سواء كانوا كفاراً أو مسلمين، قال تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}، وقال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} فهو سبحانه خلق الخلق من جن وإنس وكفار ومسلمين، وتكفل بأرزاقهم، فهو ينزل الأمطار، ويجري الأنهار في البلاد وغيرها، ويرزق هؤلاء وهؤلاء.

لكنه سبحانه يؤدب عباده المسلمين إذا فعلوا ما يخالف شرعه وعصوا أمره، فيعاقبهم إذا شاء لينتهوا وليحذروا أسباب غضبه، فيمنع سبحانه الفطر، كما منع ذلك جل وعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أصلح الناس، وعهده أصلح العهود، وصحابته أصلح العباد بعد الأنبياء، ومع هذا ابتلوا بالقحط والجدب، حتى طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستغيث لهم، فقالوا: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا، فاستغاث لهم في خطبة الجمعة، ورفع يديه، وقال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا" فأنزل الله المطر، وهو على المنبر صلى الله عليه وسلم أنشأ الله سبحانه سحابة، ثم اتسعت فأمطرت فخرج الناس تهمهم نفوسهم من شدة المطر، فلم يزل المطر حتى جاءت الجمعة الأخرى، فجاءوا إليه وقالوا: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يمسكه عنا، فضحك عليه الصلاة والسلام، من ضعف بني آدم، فرفع يديه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر" قال أنس رضي الله عنه، الراوي لهذا الحديث: فتمزق السحاب في الحال، وصارت المدينة في مثل الجوبة.

فالمقصود أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أصيبوا بالجدب واستغاثوا، وهم خير الناس، تعليماً من الله سبحانه وتعالى لهم، وتوجهياً لهم ولغيرهم إلى الضراعة إليه وسؤاله عز وجل من فضله والتوبة إليه من تقصيرهم وذنوبهم، لأن تنبيههم بالجدب ونحوه من المصائب توجيه لهم إلى أسباب النجاة، وليضرعوا إليه، وليعلموا أنه هو الرزاق الفعال لما يريد. فإذا لم يتوبوا، فقد يعاقبهم الله سبحانه بالجدب والقحط وتسلط الأعداء أو غير ذلك من المصائب. حتى ينتهوا ويرجعوا إلى الله، ويتوبوا إليه، ما قال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}، وقال في قصة أحدٍ لما أصابهم ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجراح لبعضهم: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}، وفي يوم بدر كان النصر للمسلمين والهزيمة للكفار، وأسر منهم سبعون وقتل سبعون، وفي يوم أحد جرى على المسلمين مصائب بأسباب نفوسهم. لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر الرماة أن يلزموا الثغر الذي خلف المسلمين، وكانوا خمسين، أمر عليهم عبد الله بن جبير، وقال لهم: "لا تبرحوا مكانكم، ولو رأيتمونا تتخطفنا الطير"، سواء نصرنا أم لم ننتصر، لا تبرحوا مكانكم. فلما نصر الله المسلمين، وانهزم الكفار ظن الرماة أنها الفيصلة، وأن الأمر انتهى وما بقي إلا جمع الغنائم، فانصرفوا من مكانهم، فأمرهم أميرهم أن يبقوا، وذكرهم بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فامتنعوا عليه، وقالوا: إن الأمر انتهى والكفار انهزموا. فلما فعلوا ذلك جاءت خيل الكفار من خلف المسلمين، ودخلوا من الثغر الذي أهملوه، وصارت المصيبة على المسلمين بأسبابهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير