واستدلوا بما روى عنه صلى اللّه عليه وسلم من قوله لا قود إلا بالسيف وهذا الحديث قد روى من طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا يقبل الإثبات به.
وقد بين الشيخ علاء الدين الماردينى الشهير بابن التركمانى فى كتابه الجوهر النقى طرقه، ثم قال فهذا الحديث قد روى من وجوه كثيرة يشهد بعضها لبعض فأقل أحواله أن يكون حسنا فلا يضر حينئذ تضعيف بعض المحدثين لسند هذا الحديث.
وبما روى عنه صلى اللّه عليه وسلم من قوله إن اللّه عز وجل كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته فأمر النبى صلى اللّه عليه وسلم فى هذا الحديث بأن يحسنوا القتلة وإحسان القتلة لا يكون بغير ضرب العنق بالسيف، كما أمر أن يريحوا ما أحل اللّه ذبحه من الأنعام.
فما الظن بالآدمى المكرم المحترم. وقد أجابوا عن ظواهر الآيات الكريمة بأن المراد بالمثلية فيها هو المثلية فى مجرد إزهاق الروح، ولا تتناول الآلة لأن استعمال غير السيف يؤدى إلى الاعتداء المنهى عنه فى غير مآربه.
فإذا قتل شخص آخر بالضرب مثلا فمات بضربتين واستوفينا القصاص بالضرب أيضا وضرب القاتل حتى مات فجاز ألا يموت إلا بأكثر من ضربتين.
وفى ذلك مجاوزة للحد.
ولو ضربناه ضربتين وقتلناه بالسيف كان فى ذلك مجاوزة للحد.
ولو ضربناه ضربتين وقتلناه بالسيف كان فى ذلك مجاوزة للحد أيضا، وأجابوا عن حديث اليهودى الذى رض رأسه بأنه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون هذا الرض كان مشروعا ثم نسخ، كما نسخت المثلة بالنهى عنها.
الثانى أن يكون اليهودى ممن سعى فى الأرض بالفساد فيقتل كما رآه الإمام ليكون أردع وهذا هو الظاهر.
فإن قصد اليهودى كان أخذ المال.
فقد روى عن أنس ابن مالك رضى اللّه عنه أنه قال عدا يهودى على جارية فأخذ أوضاحا حليا كانت عليها، فيكون القتل على هذا ليس من باب القصاص الذى نحن بصدده وأما حديث ومن حرق حرقناه إلخ فقال البيهقى إن فى إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد فى خطبته.
قال الحنفية إن الثابت حينئذ من الآيات ومن السنة هو إتلاف نفس القاتل بأيسر الوجوه وأوحاها أى أسرعها وليس ذلك إلا بالسيف.
فلا يجوز استيفاء القصاص بالتحريق والتغريق والرضخ وما جرى مجرى ذلك.
هذه خلاصة أقوال فقهاء المسلمين فى هذا الموضوع. والذى يظهر لنا أن الحنفية ومن قال بمقالتهم لا يريدون إلا أنه لا يجوز القصاص بغير السيف مما يكون مظنة التعدى وتجاوز الحد فى القاص من التحريق والتغريق والضرب.
وما جرى مجرى ذلك. ولا يريدون أن يمنعوا استيفاء القود بغير السيف إذا كان غير السيف أيسر وأسهل وأسرع فى إزهاق روح القاتل.
كما يتبين هذا من استدلالهم بحديث إن اللّه عز وجل كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة إلخ (وكما يتبين أيضا من حديث لا قود إلا بالسيف وذلك لأن هذا الحديث يفيد بمنطوقه أمرين أولهما.
أنه يجب استيفاء القصاص بالسيف الثانى أنه لا يجوز استيفاؤه بغيره مما لا يكون فى مثل سهولته ويسره.
ويفيد أيضا بطريق دلالة النص جواز القتل بغير السيف إذا كان غيره مثله فى سرعة إزهاق الروح ويسره أو أولى منه فى ذلك فإنه يفهم لغة من هذا الحديث أن العلة فى وجوب استيفاء القصاص بالسيف.
هى أن القتل به أيسر وأسهل، فإذا وجد نوع من القتل بطريقة لم تكن معهودة، وكانت هذه الطريقة أسرع فى إزهاق الروح وأسهل فظاهر أنه يجوز القتل بها بدلالة نص هذا الحديث.
وحينئذ. يكون القصر فى قوله عليه الصلاة والسلام لا قود إلا بالسيف من قبيل القصر الإضافى، والمقصود به أنه لا يستوفى القصاص بغير السيف مما فيه احتمال مجاوزة الحد.
والخلاصة أن الأدلة التى استدل بها الحنفية يظهر منها أنه يجوز القتل بغير السيف إذا كان القتل بغيره أسهل وأسرع فى إزهاق روح القاتل.
وعلى ذلك إذا كان القتل بالمشنقة علو وجه يكون أسرع وأسهل من القتل بالسيف جاز ذلك بمقتضى الأدلة التى استدل بها الحنفية، ويظهر من كلامهم أنهم يجوزون القتل بهذه الطريقة.
ومن أراد زيادة البيان فليرجع إلى ما قاله الجصاص فى كتابه آيات الأحكام فى باب كيفية القصاص من الجزء الأول، وما قاله عند قوله تعالى {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به} من آخر سورة النحل فى آخر الجزء الثالث من الكتاب، وإلى ما جاء فى باب الرجل يقتل رجلا كيف يقتل، من كتاب معانى الآثار للطحاوى فى الجزء الثانى، وإلى ما قاله الشوكانى فى باب قتل الرجل بالمرأة بالجزء السادس من نيل الأوطار وإلى شرح الزيلعى على الكنز.
هذا ما ظهر لنا فى هذاالموضوع.
واللّه سبحانه وتعالى أعلم
ـ[علي الفضلي]ــــــــ[16 - 01 - 07, 08:56 م]ـ
السؤال:
هل يجوز الشنق في الإسلام؟
الجواب:
[القتل بطريقة الشنق هذه وسيلة غير مشروعة أبدا في الإسلام، وخلاف قوله عليه الصلاة والسلام (لا قود إلا بالسيف)، يعني لا قصاص إلا بالسيف، هذه هي القاعدة، لكن إذا كان أحد القتلة الفجرة قتل بريئا بطريقة خاصة مثلا فهو يقتل بمثلها، رجل يقتل آخر خنقا فيخنق، آخر يقتل شخصا برضخ الرأس بالحجارة، كما فعل اليهودي في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع تلك الجارية، حيث قتلها رضخا بالحجارة ثم ولى فأدركها بعض الناس وفيها رمق من الحياة، فسألوها، فقالت: فلان اليهودي ... ]
المحدث الألباني – رحمه الله تعالى – سلسلة الهدى والنور. شريط 172
¥