تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي نظري أنَّ هذا الأمر وإن كان هامَّاً؛ لأنَّ فيه الاهتمام بأخبار المسلمين، إلاّ أن المداومة على ذلك، لا يفيد إلاّ كثرة الهم والغم والحزن، والذي لا ينفع ولا يصنع شيئاً، والرأي الوجيه لمن قعد عن الجهاد للظروف المحيطة به، أن يوظِّف المسلم ذلك الحدث توظيفاً إيجابياً، ومن أولى الأمور لتفعيل تلك القضية بين المؤمنين، اللجوء إلى محراب العبودية، والانكسار بين يدي ربِّ البرية، والتضرع والبكاء، والرجاء والدعاء لرب الأرباب، ومسبب الأسباب، بأن يكف الله شرَّ الكافرين، وأن ينصر عباده المجاهدين، وأن يخذل المنافقين وعملاء الصليبيين.

تلك والله سمة المؤمن، وشيمة الموحد، وهو أكبر دليل على صدق ما في قلبه من الحب لإخوانه المؤمنين وحمل همِّهم، وخاصَّة أنَّ الدعاء يستجاب وقت اشتداد المعركة، وشدَّة التحارب بين المؤمنين والكافرين، فقد قال النبي ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ:" ثنتان لا تردان أو قلَّما تردَّان: الدعاء عند النداء، وعند البأس حين يُلْحِمُ بعضهم بعضاً" أي: حين تشتبك الحرب بينهم، أخرجه أبو داود، وقال الحافظ في النتائج (1/ 378):حديث حسن صحيح، وصححه النووي في (الأذكار/ صـ57ـ267)، وقال الألباني في (الكلم الطيب): حسن صحيح (صـ76).

ولقد عاب الله أقواماً نزلت بهم المصائب والبأساء، فأعرضوا عن ربهم، ولم يدعوه لكشف ضرهم، فلم يرفع عنهم تلك النازلة، قال _تعالى_: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأنعام:42، 43) وقال في آية أخرى: "وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ" (المؤمنون:76) فصار المصير إلى أن نعلم علم اليقين، أنَّ من أوجب الواجبات في زمن الكوارث والملمات، رفع اليدين بالدعاء لله رب العالمين، فلعل ذلك الدعاء من أكف بيضاء نقية، وقلوب صادقة وفيَّة، وأعين باكية تقيَّة تخفف من تلك المآسي التي أقلقت المسلمين وأقضَّت مضاجعهم، وقد علَّمنا رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ أنَّه"لا يردَّ القضاء إلاّ الدعاء" أخرجه الترمذي (139)، وقال: حسن غريب، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع برقم (7687)، وأخبرنا بأنَّه"لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما قد نزل ومما لم ينزل، وإنَّ البلاء ينزل فيتلقاه الدعاء، فيتعالجان إلى يوم القيامة" أخرجه الترمذي وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي (2813) زاد الحاكم بسندٍ لا بأس به، فعليكم عباد الله بالدعاء، ولهذا كان الدعاء من أسباب النصر على الأعداء، وخاصَّة إذا كان ذلك من عباد الله الضعفاء، وقد دلَّ على ذلك حديث رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ "إنما ينصر الله هذه الأمَّة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم) أخرجه النسائي وصححه الألباني في صحيح النسائي (2978).

فأين نحن يا أخا الإسلام عن ذلك السلاح العظيم والمنجي لنا من بطش الأعداء؟! وأين الإلحاح على الله بأن يكشف الضر عن المسلمين؟! وأين الانطراح بين يديه؟! وأين الانكباب عليه؟! وأين التوجه إليه؟!

أين ذلك كلَّه ونحن نستمع صرخات المكلومين، وأنات الجرحى والمظلومين، وصراخ المضطهدين في سجون الكفرة الملاعين في كوبا وأبي غريب وسجون إسرائيل؟ وصدق من قال:

وإنِّي لأدعو الله والأمر ضيِّق ... عليَّ فما ينفك أن يتفرجا

وربَّ فتى ضاقت عليه همومه ... أصاب له في دعوة الله مخرجا

يا للأسف حين يظن الكثير بأنَّ المهم أن يستمعوا الأخبار عمَّا حصل في الفلوجة، أو الرمادي، أوبغداد، أو الموصل، أو نابلس، أو جباليا، أو جنين، أو غزة، أو رفح، أو كابل، أو مزار شريف، أوجروزني، أو .... ثمَّ لا يفعل شيئاً ينصر به دينه ولو بالدعاء وهو أقل ما يستطيع!!

يا للمأساة حين يظن البعض أنًّه إذا تحدث مع زميل له عن مآسي المسلمين وهو يشرب الشاي! ثمَّ تكلَّم عن ظلم الاحتلال الصليبي أنَّه أدَّى دوره، وانقضت مهمته!!

عجباً ـ وربي ـ من تلك القلوب المعمورة بحب الدعة والراحة، والكسل والنقاهة _نسأل الله العفو والمغفرة_.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير