تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ودعني الآن ـ أخي ـ أقلب لك شيئاً من صفحات التاريخ، وطوايا الأحداث لترى العجب من قوم جاهدوا في سبيل الله، ولم يثنهم فعلهم ذاك من الفرار إلى الله، واللجوء إلى كنفه؛ بالدعاء، والابتهالات الشرعية، والاستغاثات الربانية، سائلينه _تعالى_ أن ينصرهم وأن يكف بأس أعدائهم عنهم؛ وذلك لأنَّ الغازي في سبيل الله يستجيب الله له الدعاء، كما قال ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر؛ وفد الله دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم"أخرجه ابن ماجة برقم (2893) في كتاب المناسك، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم (4171).

فمتِّع ناظريك، وتشبه بسلفك، وبهداهم اقتده، لتعلم أنَّ الدعاء ركيزة كبرى من ركائز النصر، وقاعدة عظمى من قواعد معركة الإسلام مع الكفر، وإياي وإياك أن يكون ما قرأناه وكتبناه حجة علينا لا لنا ـ نسأله تعالى ألطافاً من عنده، ومغفرة من لدنه ـ

أولاً: فهاهو طالوت وجنده قبل بداية المعركة يقول _تعالى_ عنهم: "ولمَّا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبراً وثبِّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" (البقرة: 250) وبعد هذا الدعاء، كان الجواب من الله"فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت" وكان النصر حليفهم حين دعوا الله وتوكلوا عليه.

ثانياً: وهاهو الغلام المؤمن صاحب الملك الكافر حين اكتشف أمره، وعلم أنه موحد، أراد أن يفتنه عن دينه، ويخيفه بجنده ولكن هيهات فإنَّ مع الغلام سلاحاً لا ينفد، وكنزاً لن يفقد؛ إنَّه الدعاء فحين أراد جنود هذا الطاغية، أن يلقوه من فوق الجبل إلى هاويته، نطق الغلام بكل مسكنة وافتقار للملك القهار"اللهم اكفنيهم بما شئت"، فسقط الجنود من فوق الجبل وكانوا في الهاوية، بل في القاع، ويمضي ذلك الغلام شامخاً ًبإيمانه إلى الملك الكافر، ليعلمه دروساً في التوحيد من التوكل على الله، والاستعانة به، وعدم الخوف إلا منه إلى غير ذلك، لكن الطغاة متكبرون، ولا يسمعون داعي الإيمان‘ فما كان من ذلك الملك إلاّ أن أمر جنده بأن يذهبوا بذلك الغلام في إحدى السفن فإذا توسطت السفينة في البحر، ألقى الجنود ذلك الغلام ليتخلصوا منه، وحين أرادوا أن يفعلوا ذلك بعد أن توسطت بهم السفينة في البحر، إلاّ ويطلق الغلام سلاحه على أعدائه"اللهم اكفنيهم بما شئت"، واستجاب الله الدعاء، وقلب السفينة بمن فيها من جند الطاغوت ونجا ذلك الغلام المؤمن من مكر الكافرين، والقصَّة معروفة، ومن أراد المزيد فليقرأ تفاسير العلماء لسورة البروج.

ثالثاً: وهذا المثنَّى بن حارثة الشيباني في وقعة البويب في السنة الثالثة عشرة من الهجرة يدعون له المسلمون، والجند المقاتلون، بأن ينصره الله على أعدائه، ويكفيه شرهم، وكان النصر له في آخر المطاف. (انظر: معارك المسلمين في رمضان للدكتور: عبدالعزيز العبيدي/صـ34ـ38).

رابعاً: وتأمل قصة النعمان بن مقرن في سنة إحدى وعشرين، فبعد أن تحصن الفرس بخنادقهم، وطال حصار المسلمين لهم، استشار النعمان قادته، فأشاروا عليه باستدراج الفرس والتظاهر بالهروب حتَّى إذا ابتعد الجند عن حصونهم وخنادقهم نشبت المعركة، ووافق النعمان على الخطة، وقال لهم: إني مكبر ثلاثاً فإذا كان الثالثة فابدؤوا بالقتال، وهنا لم ينس النعمان الاتصال الروحي مع الله، فقد ذهب النعمان إلى أحد الأمكنة ودعا الله قائلاً: "اللهم اعزز دينك، وانصرعبادك، اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني شهيداً"، وبكى الناس مع النعمان وابتهلوا إلى الله وتضرعوا، واستجاب الله دعاءهم فنصرهم على عدوهم نصراً عظيماً، واستجاب الله دعاء النعمان بن مقرن، فكان أول قتيل من المسلمين على أرض المعركة ـ رضي الله عنه ـ (البداية والنهاية7/ 89) (إتمام الوفاء بسيرة الخلفاء للخضري/صـ95ـ96)، ورضي عن جميع صحابة رسول الله، الذي رباهم بروضته الشريفة، وبمسيرته المباركة فكان نتاجه عظيماً، وتربيته قديرة، فصلى الله على محمد صلاة دائمة تتعاقب بتعاقب الليل والنهار:

خلَّفت جيلاً من الأصحاب سيرتهم ... تصوغ بين الورى روحاً وريحاناً

كانت فتوحاتهم بَرًّا ومرحمة ... كانت سياستهم عدلاً وإحساناً

لم يعرفوا الدين أوراداً ومسبحة ... بل أشبعوا الدين محراباً وميداناً

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير