ويقول القاضي ابن شدَّاد: " وكان صلاح الدين إذا سمع أنَّ العدو قد داهم المسلمين خرَّ إلى الأرض ساجداً لله، داعياً بهذا الدعاء: اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبق إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل" ويقول: " ورأيته ساجداً ودموعه تتقاطر على شيبته ثمَّ على سجَّادته، ولا أسمع ما يقول، ولم ينقض ذلك اليوم إلاّ ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبداً يقصد بوقفاته الجمع، سيما أوقات صلاة الجمعة تبركاً بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة" (سيرة صلاح الدين الأيوبي للقاضي ابن شدَّاد _رحمهما الله_ صـ8 وما بعده).
الثاني عشر: وانظر ماذا كان يفعل المظفر قطز في معركة عين جالوت سنة (658) هـ وهو يحمِّس المجاهدين ويصيح واإسلاماه، واإسلاماه، ويسجد ويعفِّر وجهه في التراب ويقول: يا الله انصر عبدك قطز (معارك المسلمين في رمضان للعبيدي/صـ71). وقال ابن كثير في البداية والنهاية (13/ 188) عن قطز: " ولمَّا رأى عصائب التتار، قال للأمراء والجيوش: لا تقاتلوهم حتَّى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء في صلاتهم". واستجاب الله دعاءه وهزم المغول ووقعوا بين يديه ما بين قتيل وجريح وأسير، بل وقع بين يديه قائد المغول فقتله تنكيلاً به، وجزاء إجرامه في قتل المسلمين.
الثالث عشر: أمَّا محمد الفاتح فقد دخل المسجد في صباح يوم التاسع والعشرين من مايو عام 1453م فوجد شيخه ومعلمه ومربيه آق شمس الدين منطرحاً بين يدي ربه مستغرقاً بالدعاء فاستبشر خيراً بالنصر، وحين كان المجاهدون يهيئون للمعركة عدتها كان هتافهم: ياالله، يالله، ولمَّا فتحت القسطنطينية رآه الناس وهو يمرِّغ وجهه في التراب تواضعاً لله والمؤمنون يهنئونه بالنصر وهو لا يزيد على أن يقول النصر من عند الله، النصر من عند الله. (أبطال ومواقف/ صـ450ـ451) هكذا يا ـ أخا العقيدة ـ عرف هؤلاء البواسل دربهم، فساروا إلى ساح الجهاد، وفتحوا الفتوحات، وغيروا مجرى التأريخ لصالح أمة الإسلام الخالدة، وأكثروا الدعاء لربهم، والاستغاثة بمعبودهم، حتى خطَّ الله لهم طريق النصر المبين، والعز والتمكين.
فأين نحن عن هذا الأمر العظيم، بل أين نداءاتنا لله، ودعاءنا له؟ وأين قنوتنا في المساجد على الصليبيين والصهاينة؟ هل حققنا شيئاً من ذلك أم نبقى على فتورنا الآثم؟ أم ذلك استهانة بحق الدعاء، و تكاسلاً عن تأدية تلك العبادة!!
أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء
إنَّ العجب كل العجب حين تجد أناساً يستثقلون بالدعاء لإخوانهم المجاهدين، وحاملي رايات المقاومة الإسلامية، والأغرب من ذلك أن يقول البعض: لقد دعونا الله ولم يستجب، أو أن يقول البعض: إنَّ ما يكتبه الله سيقدره سواء دعوناه أو لم ندعه فكل مقدر ومكتوب!!!
وإلى هؤلاء أخاطبهم راحماً حالهم، ومشفقا عليهم، فأقول:
يا من قلتم: إننا دعونا الله ولم يستجب لنا، هل ابتعدتم عن جميع الموبقات والفواحش والظلم وموانع إجابة الدعاء؟ وهل دعوتم الله بقلب صادق، وضمير حيٍّ حاضر؟
إن من أهم ما يجب عليكم معرفته أنَّ الله لا يستجيب الدعاء من قلب غافل، فقد روى أبو هريرة أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاه" أخرجه الترمذي (3479) وحسَّنه الألباني في صحيح الترمذي (2766).
ثمَّ ألا تعلموا أن رسولكم قد نهاكم عن استعجال إجابة الدعاء، فقد روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنَّ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي" متفق عليه، وفي جزء من رواية مسلم قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: "يقول قد دعوت، وقد دعوت فلم يستجب لي، فيستحسر عند ذلك، ويدع الدعاء".
¥