تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أهل الذمة والولايات السياسية في بلاد المسلمين (1)]

ـ[محمد بن شاكر الشريف]ــــــــ[21 - 01 - 07, 06:46 م]ـ

أهل الذمة والولايات السياسية

مقدمة:

منذ عقود مضت بل منذ القرون الأخيرة-التي ظهر فيها ضعف المسلمين، حيث ركنوا إلى الحياة الدنيا وابتعدوا عما أراده الله منهم-أُهملت بعض الأحكام الشرعية وهُجر العمل بها، ومن تلك الأحكام المهجورة الأحكام المتعلقة بأهل الذمة، لكن على رغم ذلكم الضعف وذلكم الإهمال لم يكن هذا إلا في الجانب العملي التطبيقي، أما الجانب الفقهي النظري فقد ظلت تلك الأحكام محفوظة مدونة في كتب أهل العلم، تدرس بعض موضوعاتها للطلاب ومن طلبها وجدها، أما اليوم وفي ظل حالة الضعف الشديدة التي تمر بها المجتمعات الإسلامية، وفي ظل ظهور الكفر وأهله وعلوهم في الأرض بالباطل، فإنه يراد لهذه الأحكام أن تُهجر فكريا ونظريا كما هجرت عمليا وتطبيقيا، فبدأت حملة تغيير المناهج في بلاد المسلين، وحذف الموضوعات التي تتعلق بتلك الأمور، وإفساد دلالة الأدلة عليها بالتحريف لها، ووجدنا من يسارع ممن ينتسبون إلى الإسلام-إما أفرادا وإما جماعات-من يوافق على هذا، بل يؤلف ويكتب فيه الكتب والمقالات داعيا وناشرا لذلك بين الناس، فوجدنا من يقول عن أهل الذمة: مواطنون لا ذميون، ويجعل ذلك عنوانا لرفض الأحكام الشرعية المتعلقة بأهل الذمة بعبارة مقبولة عند العامة، ويسوغ ذلك بأن تلك الأحكام كانت وقتية وواقعية مرتبطة بواقع الصراع بين المسلمين وأهل الكتاب عند بداية الدعوة-وهذا من تحريف الكلم-ووجدنا من يتبعه ممن يقول: إن المواطنة التي تمنحها الدولة لرعاياها حلت محل مفهوم أهل الذمة، وبدأت سلسلة التنازلات شيئا فشيئا فبعد أن أعلنت بعض الجماعات الإسلامية-على لسان أحد المسئولين فيها-أن لأهل الذمة أن يتولوا المناصب كلها في الدولة الإسلامية من وزراء ومستشارين، باستثناء رئاسة الدولة، ثم عادت تلك الجماعة بعد أكثر من عقد من الزمان على لسان أحد المسئولين فيها أيضا لتقول: لا مانع من أن يكون على رأس الدولة الإسلامية التي تنشدها شخص قبطي، وهكذا تتوالى التنازلات، ابتغاء تحقيق حلم هو في عداد الأوهام، قال الله تعالى: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم"، فمن رام رضوان اليهود والنصارى عليه وهو يخالفهم ولا يتبعهم فهو واهم، كما قال الطبري:"والعداوة على الدين، العداوة التي لا زوال لها إلا بانتقال أحد المتعاديين إلى ملة الآخر منهما"، لكنهم إذا رضوا عنه فهذا يعني موافقته لهم، أو أنه يحقق أهدافهم وطموحاتهم، وهو بذلك يكون قد أضر بدينه وأغضب الله عليه.

ما المراد بأهل الذمة؟

أهل الذمة هم الكفار الذين أبوا الدخول في دين الإسلام، لكنهم رغبوا في البقاء في دار الإسلام والتمتع بحماية المسلمين لهم في دينهم ودمائهم وأموالهم وأعراضهم، سواء كانوا من أهل تلك البلاد المفتوحة، أو قدموا من ديار الكفر راغبين في ذلك بناء على عقد يعقد بينهم وبين دولة المسلمين يعرف بعقد الذمة، حيث يرتب هذا العقد حقوقا وواجبات على الطرفين ينبغي الوفاء بها من كليهما.

ويدخل في هؤلاء الذين يجوز أن يعقد لهم عقد الذمة: أهل الكتاب اليهود والنصارى، ويلحق بهم في ذلك المجوس عبدة النيران، قد ثبتت النصوص بذلك وانعقد عليه الإجماع، أما من عداهم من عبدة الأوثان فقد اختلف أهل العلم بشأنهم: هل يجوز أن تعقد لهم الذمة أم ليس أمامهم إلا الإسلام أو الحرب؟، وقد رجح طائفة من أهل العلم دخول عبدة الأوثان فيمن يجوز أن تعقد لهم الذمة، وهو الذي يعضده الدليل على ما تبين في حديث بريدة رضي الله عنه مرفوعا وفيه: "وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، إلى أن يقول: فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم"، فعلق الحكم بلفظ المشركين وعمم ولم يستثن من ذلك مشركا من المشركين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير