تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد تصرمت قرون الإسلام وانقضت بالاتفاق على أن أهل الذمة لا ولاية لهم على المسلمين، وهذا الاتفاق لا يخدشه ما نقل عن الماوري بإجازته لأهل الذمة أن يكونوا وزراء تنفيذ، ولعل الذي دعا الماوردي رحمه الله لذلك هو تصويره لهذا النوع من الوزارة على أنه ليس من ولاية الأمر، حيث يقول:"فهو معين في تنفيذ الأمور وليس بوال عليها ولا متقلدا لها" وذلك لما تقرر عنده أن الولاية لا يجوز عقدها لغير المسلم، لكن الماوردي مع ذلك محجوج بالنصوص الشرعية التي تنهى عن ذلك ومحجوج بعمل الخلفاء الراشدين وأصحاب السيرة المستقيمة من الخلفاء الأمويين أو العباسيين، وقد رد عليه الجويني الشافعي رحمه الله بكلام شديد فقال: "ذكر مصنف الكتاب المترجم بالأحكام السلطانية أن صاحب هذا المنصب يجوز أن يكون ذميا، وهذه عثرة ليس لها مقيل، وهي مشعرة بخلو صاحب الكتاب عن التحصيل، فإن الثقة لا بد من رعايتها، وليس الذمي موثوقا به في أفعاله وأقواله وتصاريف أحواله، وروايته مردودة وكذلك شهادته على المسلمين، فكيف يقبل قوله فيما يسنده ويعزيه إلى إمام المسلمين" ثم ذكر بعضا من الأدلة إلى أن يقول:" وقد نص الشافعي رحمة الله عليه أن المُترجِم الذي ينهي إلى القاضي معاني لغات المدعين يجب أن يكون مسلما عدلا رضيا، ولست أعرف في ذلك خلافا بين علماء الأقطار فكيف يسوغ أن يكون السفير بين الإمام والمسلمين من الكفار"

وهناك من يزعم أن أهل الذمة في البلاد الإسلامية لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ويطلقون ولا يستثنون، وهذا التعميم لا شك في خطئه فليس هناك نص يمكن أن يستند إليه هؤلاء في دعواهم العريضة، بل هذا النص إنما ورد في حق من أسلم من الكفار فقد سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة ما يحرم دم العبد وماله؟ فقال: "من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم" وأخرجه النسائي بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، وصلوا صلاتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم" وأخرجه أبو داود بلفظ "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يستقبلوا قبلتنا، وأن يأكلوا ذبيحتنا، وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين"، فأخذه هؤلاء وجعلوه لأهل الذمة، ولا أدرى هل وقعوا في ذلك جهلا أو عمدا، كما أن الأدلة المتقدمة يتبين منها عدم صحة تلك المقولة وليس في أيدي هؤلاء أكثر من محاولة بيان عدم دلالة هذه الأدلة، وذلك بأنواع مستكرهة من التأويل

لقد كانت هناك فترات من الزمن تخلى فيها المسلمون عن كثير من الأحكام الشرعية، وتقاعس فيها بعض ولاة الأمور من المسلمين عن الالتزام بالأحكام الشرعية الخاصة بالمشاركة السياسية لأهل الذمة، فولوهم بعض الولايات والمناصب التي لا ينبغي أن يتولوها، وقد أثبت التاريخ والواقع ما تحدث عنه القرآن بما يكنه الكفار للمسلمين، وما تنطوي عليه أفئدتهم، بما لا يدع مجالا لمُشكك أو لمخذل، وفي هذا أيضا بيان ورد على بعض المعاصرين الذين يحاولون التفرقة بين من ظهرت عداوته منهم وبين من ظهرت مودته أو لم تظهر منه عداوة، فيجعلون كل ما تقدم من الأدلة خاصا بمن ظهرت عداوته، وذلك أن ما في القلوب لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد قال الله تعالى: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك فيها الحرث والنسل والله لا يحب الفساد"، كما أن الأدلة المتقدمة ليس فيها هذا القيد الذي زعموه، وقد ذكر ابن القيم عشرين موضعا من كتاب الله تعالى في بيان غش أهل الذمة للمسلمين، وعداوتهم وخيانتهم وتمنيهم السوء لهم، ومعاداة الرب تعالى لمن أعزهم أو والاهم أو ولاهم أمور المسلمين، ثم قال بعدما أورد هذه الواضع:" والآيات في هذا كثيرة، وفي بعض هذا كفاية".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير