تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذه بعض الوقائع التاريخية من القديم ومن الحديث، ومن الشرق ومن الغرب، ومن اليهود ومن النصارى، بما يدل على أن ما يظهره أهل الذمة غير ما يبطنون، وقد تمثل ما قاموا به -سواء في القديم أو الحديث-عندما تولوا بعض الأمور، أو عند شعورهم بالقوة وأمنهم من معاقبة المسلمين لهم في أمرين:

الأول: ظلمهم للمسلمين وإذلال من يقع منهم تحت أيديهم، والاستعانة بأهل ملتهم في أعمال الدولة وإبعاد المسلمين عنها، بل وفصلهم من وظائفهم، وقد بلغت مكانة اليهود في الدولة الفاطمية أن قال القائل-في وصف ما هم عليه من العز والسؤدد الذي لم ينله كثير من المسلمين-

يهود هذا الزّمان قد بلغوا ... غاية آمالهم، وقد ملكوا

العزّ فيهم والمال عندهم ... ومنهم المستشار والملك

يا أهل مصر إنّي قد نصحت لكم ... تهوّدوا قد تهوّد الفلك.

وقد تسلط اليهود أيضا في دولة غرناطة على الناس وقاموا بحكم الجماعات الإسلامية وجمع الضرائب منهم مما دفع بابن الجد إن يقول:

تحكمت اليهود على الفروج ... وتاهت بالبغال وبالسروج

وقامت دولة الأنذال فينا ... وصار الحكم فينا للعلوج

فقل للأعور الدجال هذا ... زمانك إن عزمت على الخروج.

وهذا أبو إسحق الألبيري يتحدث عن هذا الوضع فيقول:

وإني احتللت بغرناطة ... فكنت أراهم بها عابثين

وقد قسموها وأعمالها ... فمنهم بكل مكان لعين

وهم يقبضون جباياتها ... وهم يخضمون وهم يقضمون

ورخم قردهم داره ... وأجرى إليها نمير العيون

فصارت حوائجنا عنده ... ونحن على بابه قائمون

ويضحك منا ومن ديننا ... فإنا إلى ربنا راجعون

والثاني: تحريضهم للمشركين وأعداء المسلمين على غزوهم ومحاربتهم، وإيذائهم للمسلمين بكل سبيل، و إعانتهم للقوى الكافرة المهاجمة لبلاد المسلمين، وقد كان أول ذلك ما فعله اليهود زمن البعثة النبوية، فبرغم ما كان بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبينهم من معاهدات، فقد خانوا ونقضوها، وحرضوا المشركين على قتال المسلمين ولكن الله خذلهم.

ومن ذلك ما فعله النصارى في الأندلس زمن دولة المرابطين عندما حرضوا الطاغية ابن رذمير على محاربة المسلمين وقتالهم، وتوالت عليه كتبهم، وتواترت رسلهم ملحة بالاستدعاء، مطمعة في دخول غرناطة، فلما أبطأ عنهم، وجهوا إليه زماماً يشتمل على اثني عشر ألفاً من أنجاد مقاتليهم، لم يَعُدُّوا فيها شيخاً ولا غراً".

وعندما أغارت جموع التتار على بلاد الشام ودخلوا دمشق استطال النصارى هناك على المسلمين، "وأحضروا فرمانا من هولاكو بالاعتناء بأمرهم وإقامة دينهم: فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان، ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات، وصبوه على أبواب المساجد وألزموا أرباب الحوانيت بالقيام إذا مروا بالصليب عليهم، وأهانوا من امتنع من القيام للصليب وصاروا يمرون به في الشوارع إلى كنيسة مريم، ويقفون به ويخطبون في الثناء على دينهم، وقالوا جهراً: ظهر الدين الصحيح دين المسيح، فقلق المسلمون من ذلك، وشكوا أمرهم لنائب هولاكو وهو كتبغا فأهانهم وضرب بعضهم، وعظم قدر قسوس النصارى، ونزل إلى كنائسهم وأقام شعارهم" ,

ومن ذلك أيضا الحريق الكبير الذي شب في دمشق سنة سبعمائة وأربعين، وبعد خمسة عشر يوما شب حريق أعظم منه وكان أمرا مهولا، ثم تبين بعد ذلك أن من فعل ذلك هم مجموعة من النصارى الذين تستعملهم الدولة في أعمالها، وعلى رأسهم سلامة بن سليمان بن مرجا النصراني، كاتب الأمير علم الدين سنجر البشمقدار.

قال ابن القيم: "ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتاب، ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان، لَثَنَاهُمْ ذلك عن تقريِبهم وتقليدهم الأعمال، وهذا الملك الصالح أيوب كان في دولته نصراني يسمى محاضر الدولة أبا الفضائل بن دخان، ولم يكن في المباشرين أمكَنُ منه، وكان المذكور قذاةً في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين، ومثالبُه في الصحف مسطورة، ومخازيه مخلدة مذكورة، حتى بلغ من أمره أنه وقع لرجل نصراني أسلم برده إلى دين النصرانية، وخروجه من الملة الإسلامية، ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين وأعمالهم وأمر الدولة وتفاصيل أحوالهم، وكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى، وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحل لهم الأدرار والضيافات وأكابر المسلمين محجوبون على الباب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير