تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأيا ما كان فإن المؤرخ لا يطمع في أن يعرف الزمن الذي أنشئت فيه دمشق وأسس جامعها، وكل ما يقال فيه فإنه تخرصات وأوهام لا يقف صاحبها على حقيقة، وغاية أمرنا هنا أن نذكر تاريخ جعله جامعا، على أن ذلك التاريخ أيضا يحار فيه الناظر، فلا يقدر أن يفرق بين الصحيح وغيره لما تغشاه من المبالغات، كما هو شأن كتب التاريخ عندنا، حتى أنهم أوصدوا أمر هذا الجامع إلى ما وراء العقول، وذلك لأنهم ينقلون كل خبر يسمعونه، ثم لا يحكمون عقولهم في التفرقة بين جيده ورديئه!، ولو أخذت أذكر جميع ما قاله المؤرخون عنه لكان موضوعنا هزءا عند أهل زماننا، لأن التاريخ عندهم لبس ثوبا غير ثوبه الأول، فأسس على التحقيق والتدقيق لا على التسليم بقول القائل أيا ما كان، فلذلك أضربت كثير مما ذكره ابن عساكر وغيره من أضرابه، واكتفيت بما تراه، وسأمهد لعذري شذرة مما قيل ليعلم المطالع ما كان عليه بعض القوم، فقد قال ياقوت في " معجم البلدان ": "" لو عاش الإنسان ألف سنة، وجعل يتردد كل يوم من أيامها إلى الجامع لكان يرى في اليوم ما لا يراه بأمسه!! "" فتأمل هذه المبالغة التي دونها قول المتنبي:

وأخفت أهل الشرك حتى أنه ** لتخافك النطف التي لم تخلق!!

ومثل هذا كثير فاعلم ذلك، وإليك ما نرويه منسوبا لقائله: قال الحافظ الذهبي في " مختصر تاريخ الإسلام ": [إن الوليد بن عبد الملك هو الذي بنى جامع دمشق أيام سلطنته وزخرفه، وكان نصفه الغربي كنيسة للنصارى، والنصف الآخر مسجدا للمسلمين، فأرضى الوليد النصارى بعدة كنائس صالحهم عليها، ثم هدمه إلا حيطانه الأربعة، وأنشأ قبة النسر والقناطر، وحلاه بالذهب والجواهر وستور الحرير، وبقي فيه العمل تسع سنين، وأنفق عليه الأموال العظيمة حتى جعله نزهة للناظرين]. انتهى.

وكان الابتداء به سنة سبع وثمانين.

...... إلى أن قال (العلامة بدران):

[وروى ابن عساكر بسنده إلى زيد بن واقد، قال: وكلني الوليد على العمال في بناء جامع دمشق فبينما نحن في العمل إذ وجدنا مغارة، فعرّفنا الوليد ذلك، فلما كان الليل وافى وبين يديه الشموع، فنزل فإذا هي كنيسة لطيفة ثلاثة أذرع في ثلاثة أذرع، وإذا فيها صندوق ففتح، فإذا فيه سفط، وفي السفط رأس يحيى بن زكريا عليهما السلام، قال: فرد إلى مكانه بأمر الوليد، وقال: اجعلوا العمود الذي فوقه مغيرا عن بقية الأعمدة، فجعل عليه عمود مسفط الرأس".

قال زيد: قد رأيت الرأس الشريف حين أرادوا بناء الجامع، وقد أخرج من تحت ركن من أركان القبة، وشعره وبشرته لم يتغيرا، ويقال: إن الرأس الشريف نقل من دمشق إلى بعلبك، ومنها إلى حمص فحلب، فجعل في قلعتها في جرن من الرخام، ثم نقل منها إلى الجامع لما استولى التتار عليه، كذا قيل والله أعلم بحقيقة الأمر.]. {قلت (علي) وهذه القصة ضعفها العلامة الألباني وقال:" إسناده ضعيف جدا" كما سيأتي في كلام المحدث الألباني الذي سأنقله}.

وقد أطال ابن عساكر، وأورد أقوالا متناقضة تارة تثبت شيئا وتارة تنفيه كما هي عادته في نقل كل ما يسمعه ويتصل به من غير تمحيص]]. انتهى المقصود من كلام العلامة البدران.

قال الشيخ العلامة الألباني في كتابه العجيب " تحذير الساجد " في الحاشية:

[ ... وإنما العمدة على اتفاق المؤرخين على أن إدخال الحجرة إلى المسجد (النبوي) كان في ولاية الوليد، وهذا القدر كاف في إثبات أن ذلك كان بعد موت الصحابة الذين كانوا في المدينة حسبما بينه الحافظ لكن يعكر عليه ما رواه أبو عبدالله الرازي في مشيخته (218/ 1) عن محمد بن الربيع الحيزري:" توفي سهل بن سعد بالمدينة هو ابن مائة سنة وكانت وفاته سنة إحدى وتسعين وهو آخر من مات بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. لكن الجيزي هذا لم أعرفه ثم هو معضل، وقد ذكر مثله الحافظ بن حجر في " الإصابة " (2/ 87) عن الزهري من قوله فهو معضل أيضاً أو مرسل، ثم عقبه بقوله:" وقيل قبل ذلك، وزعم ابن أبي داود أنه مات بالإسكندرية "، وجزم في " التقريب " أنه مات سنة 88 فالله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير