تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وخلاصة القول أنه ليس لدينا نص تقوم به الحجة على أن أحداً من الصحابة كان في عهد عملية التغيير هذه، فمن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل، فما جاء في شريح مسلم " (5/ 13ـ14) أن ذلك كان في عهد الصحابة، لعل مستنده تلك الرواية المعضلة أو المرسلة، وبمثلها لا تقوم حجة، على أنها أخص من الدعوى، فإنها لو صحت إنما تثبت وجود واحد من الصحابة حينذاك، لا (الصحابة).

وأما قول بعض من كتب في هذه المسألة بغير علم:

" فمسجد النبي صلى الله عليه وسلم منذ وسعه عثمان رضي الله عنه وأدخل في المسجد ما لم يكن منه، فصارت القبور الثلاثة محاطة بالمسجد لم ينكر أحد من السلف ذلك ".

فمن جهالاتهم التي لا حدود لها ـ ولا أريد أن أقول: إنها من افتراءاتهم ـ فإن أحدا من العلماء لم يقل إن إدخال القبور الثلاثة كان في عهد عثمان رضي الله عنه، بل اتفقوا على أن ذلك كان في عهد الوليد بن عبد الملك كما سبق، أي بعد عثمان بنحو نصف قرن ولكنهم يهرفون بما لا يعرفون * ذلك لأن عثمان رضي الله عنه فعل خلاف ما نسبوا إليه، فإنه لما وسع المسجد النبوي الشريف احترز من الوقوع في مخالفة الأحاديث المشار إليها، فلم يوسع المسجد من جهة الحجرات، ولم يدخلها فيه، وهذا عين ما صنعه سلفه عمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعاً، بل أشار هذا إلى أن التوسيع من الجهة المشار إليها فيه المحذور المذكور في الأحاديث المتقدمة كما سيأتي ذلك عنه قريباً.

وأما قولهم:" ولم ينكر أحد من السلف ذلك ".

فنقول: وما أدراكم بذلك؟ **! فإن من أصعب الأشياء على العقلاء إثبات نفي شيء يمكن أن يقع ولم يعلم، كما هو معروف عند العلماء، لأن ذلك يستلزم الاستقراء التام والإحاطة بكل ما جرى، وما قيل حول الحادثة التي يتعلق بها الأمر المراد نفيه عنها، وأنى لمثل هذا البعض المشار إليه أن يفعلوا ذلك لو استطاعوا، ولو أنهم راجعوا بعض الكتب لهذه المسألة لما وقعوا في تلك الجهالة الفاضحة،

= ولوجدوا ما يحملهم على أن لا ينكروا ما لم يحيطوا بعلمه، فقد قال الحافظ ابن كثير في تاريخه (75ج9) بعد أن ساق قصة إدخال القبر النبوي في المسجد:

" ويحكي أن سعيد بن المسيب أنكر إدخال حجرة عائشة في المسجد كأنه خشي أن يتخذ القبر مسجداً ".

وأنا لا يهمني كثيراً صحة هذه الرواية، أو عدم صحتها، لأننا لا نبني عليها حكماً شرعياً، لكن الظن بسعيد بن المسيب وغيره من العلماء الذين أدركوا ذلك التغيير، أنهم أنكروا ذلك أشد الإنكار، لمنافاته تلك الأحاديث المتقدمة منافاة بينة، وخاصة منها رواية عائشة التي تقول:" فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً "

فما خشي الصحابة رضي الله عنهم قد وقع ــ مع الأسف الشديد ـ بإدخال القبر في المسجد، إذ لافارق بين أن يكونوا دفنوه صلى الله عليه وسلم حين مات في المسجد ـ وحاشاهم عن ذلك ـ وبين ما فعله الذين بعدهم من إدخال قبره في المسجد بتوسيعه، فالمحذور حاصل على كل حال كما تقدم عن الحافظ العراقي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، ويؤيد هذا الظن أن سعيد بن المسيب أحد رواة الحديث الثاني كما سبق، فهل اللائق بمن يعترف بعلمه وفضله وجرأته في الحق أن يظن به أنه أنكر على من خالف الحديث الذي هو رواته، أم أن ينسب إليه عدم إنكاره ذلك، كما زعم هؤلاء المشار إليهم حين قالوا " لم ينكر أحد من السلف ذلك "*

والحقيقة أن قولهم هذا يتضمن طعناً ظاهراً ـ لو كانوا يعلمون ـ في جميع السلف، لأن إدخال القبر إلى المسجد منكر ظاهر عند كل من علم بتلك الأحاديث المتقدمة وبمعانيها، ومن المحال أن ننسب إلى جميع السلف جهلهم بذلك، فهم، أو على الأقل بعضهم يعلم ذلك يقيناً، وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من القول بأنهم أنكروا ذلك، ولو لم نقف فيه على نص، لأن التاريخ لم يحفظ لنا كل ما وقع، فكيف يقال: إنهم لم ينكروا ذلك؟ * اللهم غفرا.

ومن جهالتهم قولهم عطفاً على قولهم السابق:

"وكذا مسجد بني أمته دخل المسلمون دمشق من الصحابة وغيرهم والقبر ضمن المسجد لمن ينكر أحد ذلك "*!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير