[أين لنا مثل هذا، أو قريب؟.]
ـ[لطف الله خوجه]ــــــــ[26 - 01 - 07, 08:18 م]ـ
كان فتى ذا نعمة، واختيال في مشية ..
عطره يفوح في طرقات المدينة ..
شبابها يحاكونه ويقتدون به في حركاته ..
لم يكن فاسقا أو ظالما، بل كان عادلا حكيما، مقبلا على العلم وحب العلماء.
كان من قدره أن يكون واليا على المدينة، فقرب العلماء وأكرمهم، فإذا وقع له أمر مشكل جمعهم، فلا يقطع أمرا دونهم.
سئل: "ما كان بدء إنابتك؟. فقال: أردت ضرب غلام لي، فقال: اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة".
قال أنس بن مالك: "ما صليت وراء إمام أشبه بصلاة رسول الله من هذا الفتى".
كتب الله أن يكون خليفة الأمة وإمامها، جاءته الخلافة وهو لها كاره، فخلع نفسه أمام الناس، فتنادى الناس به، وأبوا إلا هو، لما يعلمون من حسن ديانته ورأيه، فثبت عليها، واستعان بالله على ما يراه مصيبة وقعت عليه.
أجمع العلماء قاطبة على أنه من أئمة العدل، وأحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، وقد ذكر جماعة من الأئمة أنه إمام مجدد، ينطبق عليه قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن الله يبعث لهذه الأمة، على رأس كل مائة سنة، من يجدد لها أمر دينها) [رواه أبو داود في الملاحم باب مايذكر في قرن المائة، عن أبي هريرة، صحيح أبي داود 3606]
كان هذا الإمام الخليفة الزاهد، حجة على العباد في أقواله وأفعاله وسيرته .. أحيا من السنن ما كان قد اندرس، وأعاد المظالم إلى أهلها، ولم يحاب أحدا في الله تعالى، ولو كان أقرب الأقربين.
فبدأ بأهله وعياله، فخير زوجته بين أن تقيم معه على: أنه لا فراغ له إليها. وبين أن تلحق بأهلها، فاختارت المقام معه.
وكذا فعل مع جواريه، فأعتق من أعتق منهن، وانصرف عن البواقي فلم يصل إليهن، شغلا بما هو فيه من أمور الخلافة، تقول زوجه: ما جامع واحتلم وهو خليفة".
كان يغتم ويهتم لأمر رعيته كثيرا، تقول زوجته: "دخلت عليه يوما، وهو جالس في مصلاه، واضعا خده على يده، ودموعه تسيل على خديه، فقلت: مالك؟، فقال:
"ويحك يا فاطمة، قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت فتفكرت في: الفقير الجائع، والمريض الجائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد.
فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا يثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي، فبكيت".
ولما كان بهذا الشعور بالمسؤولية تجاه رعيته: عمّ الرخاء في الناس، حتى صار الساعي يسعى بصدقته في أقطار الأرض، فلا يجد من يقبلها.
فقد كان يعطي كل مستحق ومحتاج ..
وكان يعطي المنقطع لتعلم الفقه والقرآن ..
ويكتب إلى عماله أن يستعملوا أهل القرآن، وأن يجتنبوا الأشغال عند حضور الصلاة ..
وأن يأخذوا الناس بما ثبت في السنة من أحكام، ويقول: " إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله".
يكتب بالموعظة إلى العامل من عماله فينخلع قلبه، وربما يعزل نفسه ويطوى البلاد، كتب إلى بعضهم:
"اذكرك طول سهر أهل النار في النار، مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله، فيكون آخر العهد بك، وانقطاع الرجاء منك".
فخلع العامل نفسه، وقدم على عمر، فقال له: "مالك؟، فقال: خلعت قلبي بكتابك يا أمير المؤمنين، والله لا أعود إلى ولاية أبدا".
إذا خلي في بيته، غل نفسه، ولبس المسوح، وقام يصلي يناجي ربه كالعبد الآبق ويقول:
"اللهم إن عمر ليس بأهل أن تناله رحمتك، ولكن رحمتك أهل أن تنال عمر".
يكثر أن يقول: "اللهم سلم سلم".
تقول زوجه: " ما رأيت أحدا أكثر صلاة وصياما منه، ولا أحدا أشد فرقا من ربه منه، كان يصلي العشاء، ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه.
قالت: ولقد كان يكون معي في الفراش، فيذكر الشيء من أمر الآخرة، فينتفض كما ينتفض العصفور في الماء، ويجلس يبكي، فاطرح عليه اللحاف رحمة له، وأنا أقول: ياليت كان بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين، فوالله ما رأينا سرورا منذ دخلنا فيها".
وبكى مرة فبكى لبكائه أهل الدار، فلما سري عنه سألوه فقال: "ذكرت منصرف الناس يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير".
¥