تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يمنعها من فهم ما تقول، فقررهم الله على أن قلوبهم هي محل الفهم والإدراك لأنها محل العقل ولكن كذبهم في ادعائهم أن عليها غلافاً مانعاً من الفهم، فقال على سبيل المثال الإضراب الابطالي (بل طبع الله عليها بكفرهم) الآية أما على قراءة ابن عباس قلوبنا غلف بضمتين يعنون أن قلوبهم كأنها غلاف محشو بالعلوم والمعارف فلا حاجة لنا إلى ما تدعوننا إليه، وذلك يدل على علمهم بأن محل العلم والفهم القلوب لا الأدمغة ... وأما المشركون فقد ذكر الله ذلك عنهم في قوله تعالى .. (وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعون إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب) الآية، فكانوا عالمين بأن محل العقل القلب ولذا قالوا قلوبنا في أكنه مما تدعونا إليه، ولم يقولوا أدمغتنا في أكنه مما تدعونا إليه، والله لم يكذبهم في ذلك ولكنه وبخهم على كفرهم بقوله (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) الآية. وهذه الآيات التي أطلق فيها القلب مراداً به العقل لأن القلب هو محله، أوضح الله المراد منها بقوله (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) فصرح بأنهم يعقلون بالقلوب وهو يدل على أن محل العقل القلب دلالة لا مطعن فيها كما ترى – وقال تعالى (إن يشأ الله يختم على قلبك) ولم يقل يختم على دماغك – وقال تعالى (قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به) الآية، ولم يقل وختم على أدمغتكم وقال تعالى في النحل (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون) الآية، وقال تعالى (أولئك الذين أمتحن الله قلوبهم للتقوى) الآية ولم يقل أمتحن أدمغتهم. وقال تعالى (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم) الآية والآيات بمثل هذا كثيرة، ولنكتف منها بما ذكرنا خشية الإطالة المملة.

وأما الأحاديث المطابقة للآيات التي ذكرنا الدالة على أن محل العقل القلب فهي كثيرة جداً كالحديث الصحيح الذي ذكر والذي فيه ألا وهى القلب، ولم يقل فيه ألا وهى والدماغ وكقوله صلى الله عليه وسلم (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) ولم يقل يا مقلب الأدمغة ثبت دماغي على دينك، وكقوله صلى الله علية وسلم (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) وهو من أحاديث الصفات ولم يقل دماغ المؤمن إلخ. والأحاديث بمثل هذا كثيرة جداً فلا نطيل بها الكلام.

وقد تبين مما ذكرنا أن خالق العقل وواهبه للإنسان بين في آيات قرآنية كثيرة أن محل العقل القلب، وخالقه أعلم بمكانه من كفرة الفلاسفة، وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم كما رأيت أما عامة الفلاسفة إلا القليل النادر منهم فإنهم يقولون أن محل العقل الدماغ وشذت طائفة من متأخريهم فزعموا أن العقل ليس له مركز مكاني في الإنسان أصلاً وإنما هو زماني محض لا ما كان له، وقول هؤلاء أظهر سقوطاً من أن نشتغل بالكلام عليه. ومن أشهر الأدلة التي يستدل بها القائلون أن محل العقل الدماغ هو أن كل شيئ يؤثر في الدماغ يؤثر في العقل، ونحن لا ننكر إن العقل قد يتأثر بتأثير الدماغ ولكن نقول بموجبه، فنقول سلمنا أن العقل قد يتأثر بتأثر الدماغ ولكن لا نسلم أن ذلك يستلزم أن محله الدماغ، وكم من عضو من أعضاء الإنسان خارج عن الدماغ بلا نزاع وهو يتأثر بتأثر الدماغ كما هو معلوم، وكم من شلل في بعض أعضاء الإنسان ناشئ عن اختلال واقع في الدماغ، فالعقل خارج عن الدماغ ولكن سلامته مشروطة بسلامة الدماغ كالأعضاء التي تختل باختلال الدماغ فإنها خارجة عنه مع أن سلامتها مشروطة فيها سلامة الدماغ كما هو معروف. وإظهار حجة هؤلاء والرد عليها على الوجه المعروف في آداب البحث والمناظرة أن حاصل دليلهم أنهم يستدلون بقياس منطقي من الشرطي المتصل المركب من شرطية متصلة لزومية واستثنائية يستثنون فيه نقيض التالي فينتج لهم في زعمهم دعواهم المذكورة التي هي نقيض المقدم، وصورته أنهم يقولون لو لم يكن العقل في الدماغ لما تأثر بكل مؤثر على الدماغ لكنه يتأثر بكل مؤثر على الدماغ، ينتج العقل في الدماغ – وهذا الاستدلال مردود بالنقض التفصيلي الذي هو المنع وذلك بمنع كبراه التي هى شرطيته فنقول المانع منع قولك لو لم يكن العقل في الدماغ لما تأثر بكل مؤثر في الدماغ بل هو خارج عن الدماغ مع أنه يتأثر بكل

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير