كنت قد قرأت فتوى للشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - كان قد أفتى فيها بجواز الصلاة منفرداً خلف الصف لعذر -كمن وجد الصف الأول مكتملاً ولا يجد من يقف بجواره - وعلى هذا القول بني السؤال المتقدم.
وجزاكم الله خيراً
هاك ما قصدته عن العلامة بن عثيمين رحمه الله:
السؤال: بارك الله فيكم المستمع أيضاً يسأل عن صلاة الفرد خلف الصف إذا كان الصف مكتملاً هل أسحب شخص من الصف الأول ليكمل معي الصلاة أم ماذا أفعل؟
الجواب: الجواب على هذا أنه قد سبق من هذا المنبر منبر نورٌ على الدرب أجوبةٌ كثيرة في هذا الموضوع ولا بأس أن نعيد الجواب مرةً ثانية فنقول إن الواجب على الإنسان إذا أتى إلى المسجد أن يدخل في الصف ولا يجوز له أن ينفرد عن الصف لأن الجماعة يقصد بها الاجتماع في المكان والاجتماع في العمل الاجتماع في المكان بأن يكونوا صفاً واحداً وفي العمل بأن يكونوا متابعين لإمامهم ولكن إذا جئت والصف قد تم فأنت الآن بين أمورٍ ثلاثة أو أربعة:
1 - فإما أن تسحب شخصاً ليصلي معك خلف الصف.
2 - وإما أن تتقدم للإمام لتكون عن يمينه مثلاً.
3 - وإما أن تصلي وحدك متابعاً للإمام.
4 - وإما أن تنصرف ولا تصلي مع الجماعة.
ولننظر ونقول:
أما الأول: وهو أن تسحب أحد ليصلي معك خلف الصف فإن ذلك غير وارد ولا يجوز لك أن تسحب أحداً ليصلي معك خلف الصف لأن هذا فيه عدة محاذير:
المحذور الأول: التشويش على هذا المسحوب.
الثاني: الاعتداء على حقه بنقله من المكان الفاضل إلى المكان المفضول.
والثالث: فتح فرجةٍ في الصف وهو خلاف ما تقتضيه السنة.
والرابع: أن العادة جرت أنه إذا انتفتحت فرجة تخلخل الصف وتحرك الصف كله لسد هذه الفرجة.
فهذه الأمور الأربعة كلها تترتب على سحب الإنسان من الصف ليكون مع الداخل.
وأما تقدمه إلى الإمام ليصلي عن يمينه فهذا خلاف السنة لأن السنة في حق الإمام أن يكون منفرداً بمكانه لأنه إمام لا يشاركه أحدٌ في الإمامة فإذا قام أحدٌ عن يمينه فات المقصود وكمال الإمامة ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم مثل هذه الصورة ثم إنه إذا تقدم إلى الإمام فقد يكون بينه وبين الإمام عدة صفوف فيتخللها ويؤذي الناس بتخطي رقابهم ثم إنه إذا تقد إلى الإمام وجاء رجل آخر بعده ولم يجد مكاناً وقلنا تقدم إلى الإمام ربما يجتمع مع الإمام صفٌ كامل لأن كل واحدٍ يأتي ولا يجد له مكاناً في الصف نقول تقدم إلى الإمام وفي هذا من مخالفة السنة ما هو ظاهر.
وأما كونه ينصرف عن الجماعة ولا يصلي معهم فهذا تركٌ للجماعة بلا عذر ولا يحل للإنسان القادر على الجماعة أن يتخلف عنها أو أن يتركها بلا عذر.
فيبقى الاحتمال الرابع أو الأمر الرابع وهو:
أن يصف خلف الصف وحده متابعٌ لإمامه تحصل له فضيلة الجماعة وإن فاته المكان لكن فوات المكان هنا بعذر وهو عدم وجود مكانٍ له في الصف فيسقط عنه ما يعجز عنه من الدخول في الصف ويلزم بما يقدر عليه وهو الصلاة مع الجماعة وهذا ينطبق على القواعد الشرعية (اتقوا الله ما استطعتم) فما استطاع الإنسان أن يقوم به فليقم به وما لا يستطيع أن يقوم به فإنه لا يلزم به.
بقي أن يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة وقال لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف فما الجواب عن هذين الحديثين .. ؟؟
نقول:
الجواب على الحديث الأول:
أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة نقول إن هذه قضية عين فلعل هذا الرجل كان يمكنه أن يدخل الصف ولكنه فرط فصلى وحده خلف الصف ومعلومٌ أن الإنسان إذا أمكنه أن يدخل في الصف فصلى وحده فإنه يجب عليه الإعادة لوجوب المصافة.
وأما قوله لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف فإن العلماء رحمهم الله اختلفوا في هذا النفي هل هو نفيٌ للكمال أو نفيٌ للصحة فذهب الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبو حنيفة إلى أن هذا نفيٌ للكمال وليس نفيٌ للصحة وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله وعلى هذا فتكون المذاهب الثلاثة ونصف مذهب الإمام أحمد تدل على أن النفي هنا نفي كمال وليس نفي صحة.
ولكن الصحيح أن النفي نفي صحة لأن الأصل في النفي أن يكون نفياً للوجود فإن تعذر حمله على نفي الوجود بأن كان الشيء موجوداً حمل على نفي الصحة الذي هو نفيٌ للوجود شرعاُ فإن تعذر حمله على نفي الصحة بأن تكون الأدلة قد دلت على أن هذا الشيء يصح حمل على نفي الكمال فالصحيح أن نفي الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف نفيٌ للصحة وإذا كان نفي الصحة دل على وجوب دخول الإنسان في الصف وإن لم يفعل بطلت صلاته ولكن الوجوب مشروطٌ بالقدرة والاستطاعة وهنا لا يستطيع الإنسان أن يدخل في الصف لأنه كامل تام فيسقط عنه هذا الواجب وإلى هذا القول المفصل الذي تؤيده الأدلة ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله والقول الثاني في المسألة أن صلاة المنفرد خلف الصف لا تصح ولو لعذر والقول الثالث أن صلاة المنفرد خلف الصف تصح ولو بدون عذر والغالب أن أنه إذا اختلف العلماء على أقوالٍ ثلاثة طرفين ووسط الغالب أن الوسط يكون هو الصواب لأنه يأخذ من أدلة هؤلاء ومن أدلة هؤلاء ويتكون من ذلك قولٌ مفصل وسطٌ بين هذا وهذا وخلاصة الجواب أن من صلى منفرداً خلف الصف بدون عذر وجبت عليه الإعادة ومن صلى منفرداً خلف الصف لعذر فإنه لا إعادة عليه لأنه معذور وقد قال الله تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) وقال (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) نعم.