ولأجله كان أعظم الذكر وسيده، ذلك الذكر المتضمن هذا الاعتراف، في قوله عليه الصلاة والسلام: (سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك مااستطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها حين يصبح، ثم يموت يدخل الجنة. ومن قالها حين يمسي، ثم يموت يدخل الجنة).
فهذا اعتراف بالذنب والتقصير، مع الإقرار لله بالفضل والمنة، في ألوهيته وخلقه، وسؤاله المغفرة. ففيه مقايسة بين ما يكون من الإنسان؛ الذي منه كل الشر، وما يكون من الله تعالى؛ الذي منه كل الخير.
وهذا هو المطلوب الأول؛ لأنه تعبير عن الحقيقة، ونطق بالحق. فمن شهد به استحق الجنة إن مات عليه.
* * *
(3)
قال صلى الله عليه وسلم: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. من قالها مائة مرة في يومه، حطت عنه خطاياه، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذاك، ولم يأت أحد بأحسن منه، إلا رجلا أتى بمثله وزاد).
والمناسبة بين الذكر وأجره ظاهر؛ حيث العلم واليقين بأنه وحده: لا إله غيره. وهو المتفرد بالملك والتدبير وحده. وله الحمد على ذلك. لا يعجزه شيء في الكون. فمن شهد بهذا، فقد شهد بكل الحق فاستحق.
فهذا الكلام شديد على الشيطان؛ إذ فيه إبطال لقدرته وكيده، فهو لا يقدر على فعل شيء، إلا بما أمكنه الله عليه، وأقدره، ولو شاء لعطله ومنعه، فكل من لجأ إليه معتصما، حماه من شر هذا الشيطان وشركه.
ومن وسائل هذه الحماية من الشيطان: اعتياد هذا الذكر كل يوم في الصباح.!!.
فلو جرب الذين يعانون من تسلط الشياطين عليهم بالوسوسة، والأذى في البدن: لو جدوا الصدق.
* * *
(4)
يقول الله تعالى:
- {يا أيها الذين آمنوا اذكروا ذكرا كثيرا * وسبحوه بكرة وأصيلا}.
- {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
سبب صلاح القلب والبدن: ذكر الله. وسبب فساد القلب والبدن: ترك ذكر الله تعالى.
وإذا نظرت فيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدت لكل موضع، ولكل زمن ذكرا. منذ اليقظة لصلاة الفجر، حتى وقت النوم، وفي النوم ذكر أيضا.
عند الاستيقاظ يقول المستيقظ: (الحمد لله الذي رد علي روحي، وعافاني في جسدي، وأذن لي بذكره).
فإذا قصد الخلاء قال: (بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث)، وإذا قضى وخرج قال: (غفرانك).
وإذا توضأ سمى بالله، فإذا فرغ قال: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين).
وإذا خرج من البيت قال: (بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أزل أو أزل، أو أضل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي).
فإذا دخل المسجد سمى بالله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وسأل المغفرة، والرحمة. وإذا ركب المركبة ذكر، وإذا سافر، وإذا دخل المقبرة، أو أكل الطعام، أو أضاء المصباح أو أطفأه، أو أتى أهله، أو جلس مجلسا، أو تعثر، أو مرض.
وإذا لبس جديدا، أو رأى ريحا، أو مطرا، أو مبتلى، أو اغتم وحزن، وفي الصباح والمساء ذكر، وعند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ..
وهكذا حتى يأوي إلى فراشه، فعنده يقرأ آية الكرسي، والمعوذتين وقل هو الله أحد، وآخر آيتين من البقرة، وغير ذلك، حتى حال نومه إن تيقظ فله ذكر يذكر الله تعالى به.
فالأذكار لا تحصى، تربط الإنسان بالله تعالى على الدوام، بعبادة خفيفة، ثقيلة في ميزانه، حبيبة إلى مولاه، يطمئن قلبه بها، وتهدأ نفسه، ويزول عنه الضجر والكآبة، وتكشف بها الكرب والهموم والأحزان.
فحاجة الناس إلى ذكر الله تعالى كبيرة، ومن لازم ذكر الله: جعل له من كل هما فرجا، ومن كل ضيق مخرجا. قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على خير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟.
قالوا: بلى، يا رسول الله. قال: ذكر الله).
ومثل الذي يذكر ربه، والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت. وذكر الله تعالى علامة محبته، فمن أحب شيئا أكثر من ذكره؛ فمن أحب امرأة لهج بذكرها، ومن أحب ولده لم يغفل عن ذكره، والتي تحب زوجها لا تزال تذكره كل وقت، والذي يحب المال ينام وهو يذكر المال.
فالذكر علامة المحبة، فانظر: كيف ذكرك لله تعالى، تعرف قدر محبتك له، وقدر محبته لك.
ولكل مؤمن زاد في يومه، وزاده ذكر الله تعالى، قال تعالى:
{إن في خلق السموات والأرض لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}.
{فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون}.
* * *
¥