تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فنقول إن لفظ الابن له معنى حقيقي ومعنى آخر مجازي، فالمعنى الحقيقي أنه حيوان ولد من نطفة حيوان هو من نوعه، هذا هو معناه في اللغة وهذا المعنى محال في حق الخالق سبحانه، لذلك جاء القرآن باستبعاده وتنزيه الله عنه، قال تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ والأرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (الأنعام:101).

والمعنى الثاني معنى مجازي يراد به أنه في منزلة الابن النسبي من حيث تعلقه بخالقه، وحماية الخالق له، ورحمته به وشفقته عليه، وهذا المعنى هو المراد بنصوص الإنجيل في نسبة عيسى أنه ابن الله.

وإذا تبين معنى الابن في اللغة فلا يجوز التلاعب بعد ذلك في الألفاظ، فالواجب ضبط الألفاظ بمعانيها منعا للخبط وعدم الضبط فإن الألفاظ قوالب المعاني، فلا يجوز أن يقال إن عيسى ابن الله ثم يفسر قائل هذا القول كلامه بأنه أراد أن عيسى هو علم الله أو محبته أو أنه أقنوم غير أقنوم الأب وغير أقنوم روح القدس إلى آخر هذه التحكمات، لأننا سنقول له إن كلمة ابن لم توضع للدلالة على العلم أو المحبة أو الأقنومية وإنما وضعت للمعنى الذي ذكرنا.

إن النصارى إذا اعتقدوا أن المسيح هو الله لم يبق أي معنى لقولهم بأنه ابن الله وإذا اقتصروا على وصفه بأنه ابن الله لم يبق أي معنى لقولهم أنه هو الله (لأنه لا يعقل أن يكون أباً لنفسه وابناً لها).

ومما يجدر ذكره أن وصف "ابن الله" لم يطلقه المسيح على نفسه في أغلب نصوص الإنجيل، وإنما أطلقه عليه آخرون، حيث أطلقه عليه الشيطان (متى: 4/ 3)، وأطلقه عليه اليهود على وجه الاستهزاء والتحدي (متى: 27/ 40)، وأطلقه عليه إنسان متلبس به جني (مرقص: 5/ 7)، وأطلقته عليه المرأة السومرية (يوحنا: 11/ 27)، وأطلقه عليه تلميذه سمعان (متى:16/ 16)، أما هو - عليه السلام - فأكثر ما كان يطلق على نفسه لقب "ابن الإنسان"، حيث أطلق المسيح على نفسه هذا اللقب أكثر من 80 مرة، كقوله في متى: إصحاح 8/ 20: (للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له، أين يسند رأسه؟).

ومما استدلوا به على ألوهية المسيح قول المسيح - عليه السلام -: (أنا والأب واحد) يوحنا: (10/ 30)، وهو نص اقتطع من سياقه ففهم على غير وجهه، وبالرجوع إلى سياق النص يتضح معناه جلياً، وذلك أن اليهود أحاطوا بالمسيح – عليه السلام - قائلين له: (إلى متى تعلق أنفسنا؟ إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً؟ أجابهم يسوع: إني قلت لكم، ولستم تؤمنون. الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي، ولكنكم لستم تؤمنون، لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم, خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها فتتبعني، وأنا أعطيها حياة أبدية، ولن تهلك إلى الأبد، ولا يخطفها أحدٌ من يدي، أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل، ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي، أنا والأب واحد، فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه، أجابهم يسوع: أعمالا كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي بسبب أي عمل منها ترجمونني؟ أجابه اليهود قائلين: لسنا نرجمك لأجل عمل حسن، بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً!! أجابهم يسوع: أليس مكتوباً في ناموسكم، أنا قلت: (إنكم آلهة) إن قال: آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب، فالذي قدسه الأب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت: إني ابن الله) (يوحنا: 10/ 24 - 36)، فالمسيح – عليه السلام - أراد أن يخبر اليهود أن له أتباعاً (خرافي)، وهو يعرفهم، ويعطيهم – بإذن الله - حياة أبدية (الخلود في الجنة)، وهؤلاء الأتباع قد كتب الله لهم الهداية والاستقامة، فلن يستطيع أحد أن يضلهم (يخطفهم) عن الله، لأن الله أعظم من الكل، وقدره نافذ على الجميع، ولن يستطيع أحد أن يضلهم (يخطفهم) عني، لأني والأب واحد، فالدين أدعو إليه هو دين الله، يجعل الإيمان بي جزءا أصيلا فيه، فمن يضل عني يضل عن الله، ومن يضل عن الله يضل عني، فأنا والأب واحد، وهو تعبير مجازي يراد به وحدة الموقف، أو وحدة الغاية والهدف، أو قوة العلاقة، وذلك كقول الرجل لخصمه: إن تعادي صديقي زيد فأنت تعاديني فأنا وزيد واحد، وهو معنى يستعمله الناس قديماً وحديثاً، لكن اليهود لم يفهموا لغة المجاز

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير