نحن على يقين أن الناقد لن يكون بحاجة إلى معرفة الحقائق الإسلامية عن حياة عيسى عليه السلام لينقض هذه العقيدة، ذلك أن ما يزعمه النصارى مناقض للعقول المستقيمة، ولأجل ذلك أصبحت تلك المعتقدات الكنسية عرضة لهجوم تيارات كثيرة كالعلمانية والملاحدة، ولعل أول ما يرد على النصارى في عقيدة الفداء هو اتهامهم لله عز وجل بالظلم من جهة، وبالعجز من جهة أخرى، أما الظلم فلأن الله قد قضى: {ألا تزر وازرة وزر أخرى} (النجم:38) وليس هذا الأمر مقرراً في القرآن وحده بل هو منصوص عليه في التوراة أيضاً فقد جاء في "سفر التثنية":- " لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل"أهـ، فهذا نص توراتي صريح يؤيد النص القرآني بألا يتحمل أحد جريرة أحد، فما بال النصارى يريدون أن يحملوا البشرية جميعاً خطأ آدم عليه السلام، أليس مقتضى العدل أن يتحمل آدم - عليه السلام - وزر خطيئته وحده دون غيره، مع العلم أننا نعتقد كما أخبرنا القرآن أن آدم عليه السلام تاب إلى الله عز وجل فتاب الله عليه وانتهت القضية عند ذلك.
هذا ما يلزمهم من اتهام الله بالظلم، أما اتهام الله عز وجل بالعجز فيظهر من خلال تلك التمثيلة الطويلة التي اخترعها النصارى من حمل مريم بالإله إلى ولادته إلى صلبه، كل ذلك ليغفر الله للناس خطيئة آدم التي لحقتهم، وكأن الله عاجز عن غفران خطيئة آدم إلا بتلك الطريقة السمجة التي ذكروها.
فالله تعالى عندهم نزل من العرش عن كرسيّ عظمته، ودخل في فرج امرأة، وأقام هناك تسعة أشهر يتخبط بين البول والدم والنجو، وقد علته أطباق المشيمة والرحم والبطن، ثم خرج من حيث دخل رضيعاً صغيراً يمص الثدي، ولفّ في القمط، وأودع السرير، يبكي ويجوع ويعطش ويبول ويتغوّط، ويحمل على الأيدي والعواتق ... ثم أهين وبصق في وجهه وصلب على خشبة حتى مات فكل هذا مسبة شنيعة ما تجرأ عليها أحد من العالمين، حتى الوثنيون لم ينسبوا هذا النقص لآلهتهم وهي من الحجارة والطين، لذلك كان عمر رضي الله عنه يقول: "أهينوهم - أي النصارى - ولا تظلموهم، فلقد سبوا الله عز وجل مسبة ما سبّه إياها أحد من البشر" أ. هـ.
وكان بعض أئمة الإسلام إذا رأى صليباً أغمض عينيه عنه، وقال:" لا أستطيع أن أملأ عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب ".أهـ.
ويعجبني ما قاله قس مصري أسلم: (إن كان المسيح رباً فلماذا يحتاج كي يغفر للعباد ويُكفّر ذنوبهم أن يُصلب ويُهان ويُصفع ويُبصق في وجهه .. !!)
وأين هذا من قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر:53).
ومن العجب أن يوجد في التوراة التي يؤمن بها النصارى ويسمونها العهد القديم لعن من عُلِّق على خشبة، ففي سفر التثنية (21/ 23): "ملعون من تعلق بالصليب"، فهل أصبح المسيح - عليه السلام - ملعوناً، إن جواب النصارى على ذلك ليصيب العاقل بالحيرة والذهول، إذ يقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (3/ 13): " المسيح افتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنة لأجلنا " أهـ. فانظر إلى عقول هؤلاء كيف يصمون إلههم باللعنة ثم يعبدونه ويقدسونه، إنها عقول فسدت فجعلت من الإله ملعونا، وفسدت فجعلت الثلاثة واحدا، وفسدت فعظمت الآلة التي قتل عليها إلههم،حيث علق كل واحد على صدره صليباً.
فمن أمرهم بعبادة الصليب والتذلّل له، وما هو إلا قطعة خشب لا تضر ولا تنفع؟ ومن أمرهم بتعظيم الأوثان والتماثيل التي يزعمون أنها على صورة عيسى ومريم عليهما السلام؟ وهل تسمعهم هذه الأوثان!! أم يسمعهم عيسى ومريم عليهما السلام؟!
وهل الأنبياء الذين سبقوا مجيء عيسى عليه السلام يؤمنون بألوهيته وصلبه؟ وأين ذلك في العهد القديم (التوراة) الذي يؤمنون به؟
مختصر عقيدة المسلم
الله سبحانه وتعالى خالق السماوات والأرض عظيم حكيم قدير كامل غنيّ عن العالمين عالم الغيب والشهادة سبحانه وحده لا شريك له، ولا يعرف الإنسان كيفيّة ذاته سبحانه وتعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) سورة الشورى 11، والانسان لا يدرك حقيقة الملائكة ولا الجن ولا الروح التي بين جنبيه فعلمه محدود، وسيعطي الله المؤمنين دون الكافرين القدرة على رؤيته في الآخرة والنظر إليه سبحانه وتعالى.
والله سبحانه وتعالى رحيم أرحم بالناس من الأم بولدها، ويفرح سبحانه بتوبة العبد أكثر من فرح العبد التائه في الصحراء أضاع راحلته، ثم وجدها فقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك.
ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول من الرسل لا يملك شيئاً ولا يعلم الغيب، ولا يملك أن يدخل أحداً الجنة أو النار ولا يعلم مصير أحد إلا من عند الله تعالى، قال تعالى (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنهم ظالمون) آل عمران 128 (قل إني لا أملك لكم ضرّاً ولا رشداً قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً إلا بلاغاً من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً) سورة الجن 21 - 23.
وقد خلق الله تعالى الإنس والجن لعبادته وحده لا شريك له (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) سورة الذاريات 56، ولا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) سورة الحجرات13.
والله تعالى لا يعذّب أحداً إلا بعد البلاغ (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) سورة الإسراء 15.
والأنبياء بعثوا بالإسلام، فالإسلام في عهد نوح عليه السلام يكون باتباع ما جاء به نوح، والإسلام في عهد موسى عليه السلام يكون باتباع شريعة موسى، والإسلام في عهد عيسى عليه السلام يكون باتباع الانجيل ومن كذّب من اليهود بعيسى فهو كافر، والإسلام في عهد محمد صلى الله عليه وسلم يكون بالتزام القرآن وما جاء به صلى الله عليه وسلم ومن كذب به من اليهود والنصارى فهو من الكافرين.
والله الموفق