[حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر]
ـ[العدناني]ــــــــ[09 - 02 - 07, 02:55 م]ـ
الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده. أما بعد:
فقد جعل الله تعالى الأرض ذلولاً وسلك فيها فجاجاً سبلاً ليسعى الناس في مناكبها لمصالحهم في الدين والدنيا؛ كطلب العلم أو الجهاد أو الحج والعمرة، أو لطلب الرزق من وظيفة أو تجارة، أو لأغراض أخرى من زيارة أو نزهة؛ فصار الإنسان في سعيه لهذه المصالح بين حَلٍّ وتَرحال.
فإذا سافر المرء ثم نزل لشيء من هذه الأغراض بدا له سؤال قديم جديد وهو إلى متى يُشرعُ له قصرُ الصلاة والفطرُ في نهار رمضان؟
وقد تنوعت مذاهب الناس في ضبط ذلك فمنهم من يرى نفسه مقيماً يجب عليه الإتمام والصوم إذا نوى النزولَ مدة معينة، وهي أربعة أيام، وقريب من هؤلاء من جعل هذه المدة خمسةَ عشر يوماً.
ومنهم من يرى أن وجوب الإتمام والصوم لا يكونان إلا في الوطن فقط؛ فإذا سافر المرء ثم نزل مكاناً لا يريد الإقامة فيه على التأبيد أخذ بالرخصة؛ فقصر وأفطر، مهما كانت مدةُ إقامته وصفتُها، ويرون في بعض أحاديث النبي e الفعلية، وفي أخبار بعض الصحابة رضي الله عنهم من الترخص المدد الطويلة ما يصحِّح هذا القول.
كما استدل بهذه الأخبار نفسها من قال من العلماء: إن مَنْ قيَّد إقامته بنهاية وقت أو عمل فهو مسافر، مهما كانت مدةُ إقامته وصفتُها؛ فقالوا بمشروعية رخص العبادة للمغتربين من الطلبة والعمال وغيرهم الذين وُجِدت فيهم هذه الصفة، وقد نُسب هذا القول إلى الإمام ابن تيمية.
فكان هذا البحث لتحرير الكلام في مسائل:
الأولى: حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر، وذكر الأقوال في هذه المسألة وأدلة كل قول، وما أُورد عليها، وبيان الراجح.
الثانية: حكم ترخص هؤلاء المغتربين وأمثالِهم، حيث كثر الآخذون بالرخصة في مثل هذه الأحوال، ظناً منهم أن هذا موافق لهدي النبي e وطريقة أصحابه؛ فوجب البيان والتنبيه.
الثالثة: بيان فقه الأخبار الواردة عن النبي e وبعض الصحابة والتابعين في ترخصهم مدداً طويلة، وبيان ما يُخَرَّجُ عليه هذا الترخصُ من أصول الشريعة وقواعدها، في ضوء كلام الفقهاء.
فإذا تبين سبب ترخصهم فإن متابعتهم في الرخصة خير من متابعة مَنْ بعدهم في العزيمة والاحتياط.
الرابعة: نسبة بعض هذه الأقوال إلى بعض العلماء كشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله وغيره، وصحة أقوالهم في المسألة.
فما كان في هذه الرسالة من صواب فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه. ولا بد لعمل البشر من
خطأ أو نقصٍ، علاجها التقويم والتصحيح من أهل الفضل والنصيحة.
اللهم استعملنا في طاعتك واجعل أعمالنا خالصة لوجهك واغفر لنا ولوالدينا ومشايخنا وأزواجنا وذرياتنا.
وكتبه:
سليمان بن عبدالله بن ناصر الماجد
صندوق البريد (707)
الأحساء (31982)
ناسوخ (5879837)
أشهر أقوال العلماء في هذه المسألة
تحرير محل النزاع:
اتفق العلماء في حد الإقامة الذي تنتهي به أحكام السفر على حالين:
الأولى: أن من استوطن بلداً فقد انقطعت عنه أحكام المسافر ([1]).
الثانية: أن من نزل مكاناً وهو يقول: أخرج اليوم أخرج غداً فهو مسافر مهما طال مكثه ([2]).
ثم اختلفوا فيما سوى ذلك، وهذه أشهر أقوالهم في المسألة:
القول الأول: أن الحد بين حكمي المقيم والمسافر هو نية المكث أربعة أيام.
وبهذا القول أخذ مالك ([3]) والشافعي ([4])، ولا يُحتسب عند الشافعية يوما الدخول والخروج من هذه الأربعة.
وهو قول أحمد، إلا أنه يرى احتساب يومي الدخول والخروج ([5]).
وقد استدل بعضهم لذلك بحديث العلاء بن الحضرمي t قال:
قال e : " يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" ([6]).
ووجهه: أن الثلاثة تدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة ([7]).
واستدل بعضهم بنزوله e مكة للحج من اليوم الرابع من ذي الحجة حتى اليوم الثامن؛ فبلغت إقامتُه هناك ـــ وهو يترخص ـــ أربعةَ أيام ([8]).
ووجه هذا الدليل أن هذه الأيام الأربعة هي أكثر مدة قصر فيها
¥