تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[سؤال من الإمام ابن القيم للإمام ابن تيمية رحمهما الله]

ـ[العوضي]ــــــــ[26 - 12 - 02, 12:03 ص]ـ

لقراءة الموضوع بالألوان تفضل هنا ... ( http://www.alaser.net/aam/view_article.asp?ID=319/)

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هذا سؤال سأله الإمام ابن القيم للإمام ابن تيمية رحمهما الله حول حديث (اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) , وإليكم السؤال والجواب عليه.

----

سألت - أي ابن القيم - شيخَ الإسلام (1) عن معنى دعاءِ النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد).

كيف يطهر الخطايا بذلك؟ وما فائدة التخيصيص بذلك؟ وقوله في لفظ آخر (والماء البارد) والحار أبلغ في الإنقاء؟

فقال: الخطايا توجب للقلب حرارةً ونجاسةً وضعفاً , فيرتخي القلب وتضطرم فيه نار الشهوة وتنجسه , فإن الخطايا والذنوب بمنزلة الحطب الذي يمد النار ويوقدها ولهذا كلما كثرت الخطايا اشتدت نار القلب وضعفه , والماءُ يَغْسِلُ الخبثُ ويطفئُ النارَ , فإن كان بارداً أورث الجسم صلابةً وقوة , فإن كان معه ثلج وبرد كان أقوى في التبريد وصلابة الجسم وشدته , فكان أذهب لأثر الخطايا. هذا معنى كلامه وهو محتاج إلى مزيد من الشرح.

فاعلم أن ههنا أربعة أمور: أمران حسيان , وأمران معنويان: فالنجاسةُ التي تزولُ بالماء هي ومزيلها حسيان , وأثر الخطايا التي تزول بالتوبة والاستغفار هي ومزيلها معنويان , وصلاح القلب وحياته ونعيمه لا يتم إلا بهذا وهذا. قذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كل شطرٍ قسماً نبه به على القسم الآخر. فتضمن كلامه الأقسام الأربعة في غاية الاختصار , وحسن البيان.كما في حديث الدعاء بعد الوضوء (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)

فإنه يتضمن ذكر الأقسام الأربعة: ومن كمال بيانه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم , وتحقيقه لما يخبر به , ويأمر به: تمثيله الأمر المطلوب المعنوي بالأمر المحسوس. وهذا كثير في كلامه كقوله في حديث علي بن أبي طالب (سل الله الهدى والسداد. واذكر بالهدى هدايتك الطريق , وبالسداد سداد السهم)

هذا من أبلغ التعليم والنصح , حيث أمره أن يذكر إذا سأل الله الهدى إلأى الطريق رضاه وجنته: كونه مسافراً , وقد ضل الطريق وفلا يدري أين يتوجه , فطلع له رجل خبير بالطريق عالم بها , فسأله أن يدله على الطريق , فهكذا شأن الطريق الآخرة تمثيلاً لها بالطريق المحسوس للمسافر , وحاجة المسافر إلى الله سبحانه وتعالى: إلى أن يهديه تلك الطريق , أعظم من حاجة المسافر إلأى بلد من يدله على الطريق الموصل إليها. وكذلك السداد , وهو إصابة القصد قولاً وعملاً , فمثله مثل رامي السهم , إذا وقع سهمه في نفسالشيء الذي رماه , فقد سدد سهمه وأصاب ولم يقع باطلاً فهكذا المصيب للحق في قوله وعمله بمنزلة المصيب في رميه , وكثيراً ما يقرن في القرآن هذا وهذا , فمنه قوله تتعالى ( ... وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ... ) البقرة197

أمر الحاج بأن يتزودوا لسفرهم , ولا يسافروا بغير زاد , ثم نبههم على زاد سفر الآخرة , وهو التقوى. فكما أنه لايصل المسافر إلى مقصده إلا بزاد يبلغه إياه , فكذلك المسافر إلى الله تعالى والدار الآخرة لا يصل إلا بزادٍ من التقوى , فجمع بين الزادين ومنه قوله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ... ) الأعراف26.

فجمع بين الزينتين " زينة البدن باللباس , زينة القلب بالتقوى , زينة الظاهر والباطن , وكمال الظاهر والباطن. ومنه قوله تعالى ( ... فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) طه123.

فنفى عنه الضلال , الذي هو عذاب القلب والروح , والشقاء الذي هو عذاب البدن والروح أيضاً , فهو منعم القلب والبدن بالهدى والفلاح , ومنه قوله امرأة العزيزِ عن يوسف عليه السلام لما أرته النسوة اللائمات لها في حبه ( ... فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ... يوسف32 , فأرتهن جماله الظاهر. ثم قالت ( ... وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَِ ... يوسف32

فأخبرت عن جماله الباطن بعفته , فأخبرتهن بجمال باطنه , وأرتهن جمال ظاهره فنبه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بقوله (اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد).

على شدة حاجة البدن والقلب إلى ما يطهرهما وببردهما ويقويهما , وضتمن دعاؤه شؤال هذا وهذا. والله تعالى أعلم

وقريب من هذا: أنه صلى الله تعالى وآله وسلم (كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك).

وفي هذا من السر والله أعلم. أن النجو يُثقل البدن ويؤذيه باحتباسه , والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسهما فيه , فهما مؤذيان مضران للبدن والقلب , فحمد الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه , وخفة البدن وراحته , وسأل أن يخصله من المؤذي الآخر ويريح قلبه ويخففه.

وأسرار كلماته وأدعيته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فوق ما يخطر بالبال (2).


(1) هو أحمد بم عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني شيخ الإمام ابن قيم الجوزية.

(2) من كتاب إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ج1 ص52 - 54

والسلام عليكم ورحمة الله
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير