لقد شعرت بالخجل والنقص وأنا أمام رب العمل وهو يتصفح سجل عملي ويقارنه بالسجلات الأخرى، وكنت أود لو لم أشهد مثل هذا الموقف كدت أذوب خجلاً ولا أدري ما أقول، فكيف وأنا واقف أمام رب العالمين!!!
حينما كان الأمر يتعلق بدنيا زائلة لا تلبث أن تنقضي إما بزوالي عنها أو بزوالها عني فقد كدت أموت كمدًا وحسرة على ما فرطت في جنب صاحب العمل والوظيفة, ولكن كيف يكون شعوري حين أرى تفريطي في جنب اللهََََ!!!
بم أجيب ربي حين يعاتبني على تقصيري في أداء العبادات والفرائض، في الوقت الذي كنت فيه حريصًا كل الحرص على ألا يفوتني أمر من أمور الدنيا.
بم أجيب لو قال لي "لم أهملت العبادات ورضيت في تنفيذها بأقل القليل وما لا يتم الواجب إلا به مع أنك كنت حريصًا كل الحرص على ألا يفوتك أي أمر من أمور الدنيا
لم كنت تسعى إلى تحقيق الكمال في العمل وكنت تقول إن العمل عبادة مع تفريطك في العبادة التي افترضتها وكتبتها عليك ولم أكلفك غيرها "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
ألم تسمع قولي: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً"
"واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا"
ألم تسمع قول رسولي [الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً]
ألم تسمع قوله عن الدنيا [إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء]
لم كنت تحزن وتشعر بالغيرة وأنت ترى زميلا لك يسبقك في العمل ويحقق ما لم تستطع تحقيقه, مع أنك لم تكن تشعر بأدنى نوع من الأسى عندما تعلم أن هناك من سبقك إلى المسجد أو إلى حفظ القرآن أو صيام التطوع وطلب العلم؟
في تلك اللحظة مر شريط حياتي كلها في مخيلتي في لمح البصر وتذكرت الأوقات التي كنت أقضيها بدون تبرم ولا ملل في دراسة إحدى اللغات الأجنبية أو أخذ دورة تدريبية في علم من العلوم الدنيوية فقط بغرض أن أحصل على مكانة أعلى وفرصة أفضل في العمل, من أجل حفنة أموال أكثر ...
في الوقت الذي كنت أبخل فيه عن حضور درس علم شرعي وأتعلل بأننا لسنا مكلفين بذلك وطالما أني أصوم وأصلي فأنا بخير وهذا يكفي
يا الله كل هذا التكالب على الدنيا وكل هذه الهمة لمحاولة الحصول على ظل زائل ودنيا حقيرة
وقتها سمعت قارئًا يقرأ
" إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون * والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم
أين كانت تلك الآيات في كتاب الله؟ كأني أسمعها لأول مرة!!!
ولم يسكت الصوت بعد بل استمر وتداعت إلى قلبي عدة آيات أخر كأنها وخز الإبر
"وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون"
"اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهوٌ وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور * سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم"
يا للصدمة ماذا أعددت لهذا كله، ولم كان هذا التفاوت في الهمة بين السعي للدنيا والسعي للآخرة؟؟
لم آثرت تلك الدنيا على ما عند الله!!!
لم رضيت بأن يكون كل همي وهمتي في دنيا زائلة!!!
أسئلة كثيرة لم أجد لها إجابة .....
ولكن لا بد من وقفة مع النفس
وقفة لمعرفة ذلك التناقض في السعي بين الدنيا والآخرة
وقفة تأتي قبل فوات الأوان ......
أسأل الله أن ينفع بها