عن أبي هريرةَ أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «يُستَجابُ لأحدِكم ما لم يَعْجَل، يقول: دعوتُ فلم يُستجبْ لي».متفق عليه
4 - الاعتداء في الدعاء , وصور ذلك:
- رفع الصوت بالدعاء , فقد جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنه قال: «كنُا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فكنّا إِذا أشرَفْنا على وادٍ هلَّلْنا وكبَّرنا، وارتفعَت أصواتُنا. فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا أيُّها الناسُ، ارْبَعوا على أنفُسكم، فإنكم لا تَدْعونَ أصَمَّ ولا غائباً، إنهُ معكم، إنهُ سميعُ قَريب، تَبارَكَ اسمهُ، وتَعالى جَدُّه».
- ومنه التغني بالدعاء , فقد ورد التوجيه النبوي لنا بالتغني بالقرآن كما جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " ليس مِنَّا مَنْ لم يَتَغَنَّ بالقرآن " وهذا التوجيه وحي وهو مخصوص بالقرآن , والعبادات بأنواعها لا يجوز لأحد كائن من كان الزيادة في صفتها ووقتها وعددها وزمنها ومكانها وهيئتها , إلا ما ثبت على لسان المبلغ صلى الله عليه وسلم ومن زاد فيها ما يستحسنه من عند نفسه فقد دخل في قوله تعالى {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}.
- ومنه التألي والإملاء على الله في الدعاء , فقد أخرج ابوداود في سننه: " أنَّ عبد الله بنَ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه سَمِعَ ابْنَهُ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ القَصْرَ الأبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الجَنَّةِ إذَا دَخَلْتُهَا. قال: يابُنَيَّ سَلِ الله الجَنَّةَ وَتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النَّارِ فإنَّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ: «سَيَكُونُ في هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الطُّهُورِ وَالدُّعَاءِ».
فمن تجنب ما تقدم من موانع تمنع إجابة الدعاء وأتبع الوسائل التي تعين على حصول المطلوب من هذا الدعاء كحضور القلب والتلفظ باللسان والإلحاح على ربه جل في علاه فلا يشك في حصول الإجابة.
يقول ابن القيم رحمه الله في كلام مفيد ماتع:
والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح والسلاح بضاربه لا بحده فقط , فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به والساعد ساعد قوي والمانع مفقود حصلت به النكاية في العدو ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير , فإن كان الدعاء في نفسه غير صالح أو الداعي لم يجمع بين قلبه ولسانه في الدعاء أو كان ثمة مانع من الإجابة لم يحصل الأثر. أهـ
وقد عمت وطمت البلوى اليوم من خلال رسائل الجوال أو رسائل البريد الإلكتروني فتجد من يرسل أدعية وأذكار إما إنها فاسدة المعنى أو فيها اعتداء في الدعاء أو تُنسب للنبي عليه الصلاة والسلام وهي مكذوبة عليه.
المقصود إن الدعاء عبادة عظيمة ولكنها ليست مجرد هنهنات بالقلب أو ترديد كلمات معينة في وقت معين باللسان ولكن لا بد من حضور القلب واللسان و التدبر والتفكر في معاني ما تدعو به واستشعار تلك المعاني وتحري الشرطين العظيمين في كل عبادة وهما الإخلاص والمتابعة.
وهنا وصفة طبية من ابن القيم الجوزية رحمه الله في كيفية الدعاء المجاب بإذنه سبحانه , يقول رحمه الله: وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعته بكليته على المطلوب وصادف وقتا من أوقات الإجابة الستة وهي الثلث الأخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وإدبار الصلوات المكتوبات وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم وصادف خشوعا في القلب وانكسارا بين يدي الرب وذلاله وتضرعا ورقة واستقبل الداعي القبلة وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى وبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ثم قدم بين يدي حاجته التوبة والاستغفار ثم دخل على الله وألح عليه في المسألة وتملقه ودعاه رغبة ورهبة وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدا ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة أو أنها متضمنة للاسم الأعظم. أهـ
وختاماً فمن يأخذ بهذه النصيحة لا يشك قيد أنملة في إجابة الكريم الرزاق سبحانه , فإما أن يستجب له في الحال أو يعوضه بخير مما سأل أو تدخر له في يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة كما روي عنه صلى الله عليه وسلم قوله: ” إما أن يعجلها له، وإما أن يدخرها له ”.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقد استشكل بأن جماعة من العباد والصلحاء دعوا وبالغوا ولم يجابوا، والجواب أن الإجابة تتنوع: فتارة يقع المطلوب بعينه على الفور، وتارة يقع ولكن يتأخر لحكمة فيه، وتارة قد تقع الإجابة ولكن بغير عين المطلوب حيث لا يكون في المطلوب مصلحة ناجزة وفي الواقع مصلحة ناجزة أو أصلح منها. أهـ
نسأل الله أن يجعلنا ممن دعاه فأجابه وسأله فأعطاه ونعوذ بالله من أكل الحرام والعجلة في الإجابة والحمد لله رب العالمين.
جمعه اخوكم
غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين والمؤمنات
¥