والثاني هل استمراره في الخير مع بقاءه على المعصية ينفعه؟
وهذان الامران مردهما الى شيء واحد يمكن ان يجعل كموضوع لهما وهو:
اذا امر الانسان بالمعروف ولا يفعله ونهى عن المعصية ويفعلها فهل يدخل في الحديث المشهور وفيه: فيسألونه الم تكن تامرنا بالمعروف وتنهانا ...... قال: كنت امركم بالمعروف ولا آتيه وانهاكم عن المنكر وآتيه , فيقذف به الى النار ... او كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم , وهذا الحديث وما يراد به وما يشكل عليه قد تكلم حوله الكثير من اهل العلم وهو لا يخفى على طلاب العلم.
ونحو هذا: الذي اذا خلا بمحارم الله انتهكها.
ولكن انبه هنا على امور هي:
1 - ان هذا خارج عما نتكلم فيه وذلك من وجوه:
- ان المراد بهذا هو المنافق الذي يقول مالا يفعل وهو في ذلك عالم بعظم جرمه فلا يرتدع ولا يجزع ولا يأبه باثم او عقوبة.
- انه لم يبتغ بقوله وجه الله تعالى وانما اراد به ثناء الناس حتى يقال عنه عالم او حافظ او آمر وناهي أو ....
- انه لا يحرص على فعل المعروف وخاصة في خلواته ولا يتحسر على فواته.
- انه يفرح بالمعصية ولا يكرهها ولا يتندم على فعلها ولا يستغفر بعد وقوعه فيها ولا يجد من نفسه لوما عليها ولا زجرا عنها.
فهذا واشباهه هم من يحال بينهم وبين التوبة نسأل الله العافية.
2 - روي عن ابي الدرداء رضي الله عنه انه قال: اني لآمركم بالامر وما افعله ولكن لعل الله ان ياجرني فيه.
ويستفاد من هذا ان من صلحت نيته وابتغى بعمله – قولا او فعلا – وجه الله تعالى فلا يضره عدم فعله لما امر به , ما لم يكن واجبا فرط فيه , فيأثم , والا فلا اثم عليه.
ومثال ذلك: لو القى كلمة حث فيها على صلة الرحم , فان كان مفرطا لا يصل رحمه فهو آثم داخل في معنى الحديث واما ان كان حريصا على ذلك غير انه لم يصل رحمه لعذر مثلا فهو على اجره.
واما السنن والمندوبات فهو ماجور على تبليغها وان لم يكن حريصا على فعلها.
3 - ان من كان حريصا على فعل الخير لوجه الله تعالى – ولو كان ذلك امام الناس- ويجد من نفسه داعيا الى ذلك ومحبة له وتحسرا على فواته فهذا دليل عظيم على صلاح ذاته وحسن سريرته.
4 - ان فعل الخير في الخلوات اصدق دليل على كونه لوجه الله تعالى.
5 - ان من وجد من نفسه من الخير ما ذكرناه فليحذر ان يرده عنه فعل المعاصي او تلبيس ابليس عليه بما ذكرته اخي ابا سالم ايا كانت حجم معاصيه او كثرتها ولو بلغت عنان السماء.
6 - ان فعل المعصية حتم على ابن آدم الا من عصمه الله , فمن فعلها وهو كاره لها ثم استغفر بعدها واقلع عنها واستوفى شروط التوبة فيها فهو على خير واجر ان شاء الله تعالى ولو اذنب الف الف مرة ما دام على ذلك , ومثل هذا لا يحرم حسن الخاتمة بل يوفق لها.
واذا كان كذلك فلا يضره فعله للمعصية مع نهيه عنها , ولا يدخل في الحديث المذكور اعلاه , بل ينطبق عليه حديث: علم ان له ربا يغفر الذنب .....
ولا يضره ايضا ما حدثته به نفسه بانه سيعود الى المعصية ويختم له بسوء الخاتمة بسبب كثرة معاصيه , وهذا انما هو وسوسة من الشيطان لكي يثنيه عن الخير ويصده عن الذكر ويقنطه من رحمة الله ويوقعه في اليأس والحيرة والوسوسة , فمن وجد ذلك فليستعذ بالله وليقل: أعلم ان لي ربا غفورا سيغفر لي رغما عن انفك ولو اذنبت الى يوم القيامة!
اذا كان الكلب لايؤذيك الا نباحه
فذره الى يوم القيامة ينبح
ومتى وجد المؤمن من نفسه خمولا واعراضا: خوفها , ومتى وجد منها وجلا وخوفا: رجّاها.
وهكذا فليفعل حتى يلقى الله تعالى وهو في ذلك مقدام على فعل الخبرات سباق لها لا ينثني ولا ينحني , ولا يمل ولا يكل , وكلما فتر تذكر – لا يريد بذلك الا وجه الله الكريم المنان , الرحيم الرحمن , ولا يرده عن ذلك فعل السيئات فهي ان كانت جبلا فالحسنات جبال وجزاء السيئة بمثلها والحسنة تجزى بأضعافها.
وما ضر ماعز –رضي الله عنه – زناه , ولا الغامدية المقبولة ما فعلت , وفي التائب من الزنا نزل قوله (ان الحسنات يذهبن السيئات) , وكذا المجلود لشربه كيف غمرت محبته سيئته , والسنة مليئة بما يشفي العليل ويروي الغليل.
واعلم اخي ان الشيطان ليس له في الكافر والفاسق رغبة , وانما خيله وجنده مسلطة على المؤمن الوجلان , فمن وجد في نفسه شدة في مغالبته ورهقا في مساجلته فتلك علامة الانتصار ورفعة راية الايمان.
وضابط ما مضى ان يقال:
ان مداومة العبد لتأنيب واحتقار نفسه واستشعاره لعظم ذنبه مع فقره وعجزه , وهو في ذلك حريص على الخير محب له ومداوم عليه: لهو من اعظم الادلة على قبول توبته ومغفرة ذنبه , فان علامة القبول ان يوفق العبد لفعل الخير , بخلاف ما لو كان غير آبه بمعصيته ولا نادم عليها وقد تقاعس وتكاسل عن الخير والذكر والعبادة فهذا دليل خذلانه وخسارته وعدم قبول توبته ومثل هذا يحال بينه وبين التوبة والعياذ بالله.
(فحذار حذار من ترك الخير بسبب الذنوب فانه لا يخلو جسد من ذنب الا من عصم).
والله اعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد