تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن بقي أن حديث ابن عيينة قد وقع فيه إشكال في إسناده، وفي متنه، فأما إسناده فقد تفرد به عنه محمد بن أبي عمر، وقد قال فيه أبو حاتم: كان رجلاً صالحاً، وكان به غفلة، ورأيت عنده حديثاً موضوعاً حدث به عن ابن عيينة، وكان صدوقاً. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حجر: صدوق، صنف المسند، وكان لازم ابن عيينة لكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة. (تهذيب التهذيب 3/ 73، التقريب 6391).

وقد اختلف على ابن أبي عمر في إسناده - كما في التخريج - فرواه الأزرقي، والفاكهي، عن ابن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلاً، وخالفهما أبو حاتم الرازي، فرواه عن ابن أبي عمر، عن ابن عيينة مرسلاً، دون ذكر هشام، وأبيه.

وكذا اختلفوا على ابن أبي عمر في متنه - وهو الإشكال المشار إليه في حديث ابن عيينة - وقد سبق سياق لفظ الأزرقي، والفاكهي عن ابن أبي عمر، وسياق لفظ أبي حاتم عنه، وبين اللفظين اختلاف ظاهر، فإن لفظ الأزرقي والفاكهي يدل على أن عمر لم ينقل المقام من مكانه الأصلي، وإنما ردَّه إلى مكانه بعد أن قلعه السيل، وقد جعل سفيان - في روايتهما - هذا هو معنى حديث هشام بن عروة، عن أبيه.

وأما لفظ أبي حاتم فهو صريح في أن عمر - رضي الله عنه - حوله عن مكانه الذي كان فيه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم جاء سيل فأزاحه وذهب به فردَّه عمر - رضي الله عنه - إلى مكانه الذي وضعه فيه.

وهذا اختلاف شديد بين اللفظين مع أن مخرجهما واحد، فإما أن يكونا حديثين مختلفين، وإن كان مخرجهما واحداً، ويكون لابن عيينة في هذه المسألة رأيان، وقد يفهم هذا من صنيع الحافظ ابن رجب في الفتح 3/ 82 - 83، فإنه ذكر لابن عيينة في هذه المسألة قولين، فلعل أحد القولين متقدم، والآخر متأخر، ويؤيد هذا القول أن سياق الخبرين مختلف.

وإما أن يصار إلى الترجيح، ولا شك أن أبا حاتم الرازي أثبت من الأزرقي والفاكهي جميعاً، فيكون لفظ روايته هو المحفوظ في حديث ابن عيينة، وهو موافق للفظ حديث هشام، عن أبيه.

ومن المهم أن يعلم أن هذا الترجيح إنما هو في كلام ابن عيينة نفسه، وأما فيما يرويه عن هشام فلم يقع عليه في لفظه اختلاف، لأن أبا حاتم لم يرو عن ابن عيينة حديث هشام، وإنما رواه من قول ابن عيينة.

ويظهر أن كلام ابن عيينة في رواية أبي حاتم عنه مأخوذ من حديث هشام فإنه موافق له. وهذا قد يرفع الاختلاف الوارد على ابن عيينة في إسناده.

ويمكن أن يعتذر عن الاختلاف في متنه بأن رواية الأزرقي، والفاكهي لحديث ابن عيينة إنما كان في قصة سيل أم نهشل، ثم ذكر ابن عيينة حديث هشام على سبيل التبع فمن هنا وقعت المخالفة في متنه، ومع ذلك فاختلاف رأي ابن عيينة أمر محتمل.

وعلى كل احتمال ففي كلام بن عيينة ما يدل على أن حديث هشام بن عروة غير ثابت، وذلك في قوله: لا أدري كم بينه وبين الكعبة قبل تحويله. وقوله: لا أدري أكان لاصقاً بها أم لا.

وحديث هشام بن عروة هذا أصل في مسألة مهمة، وهي: أين كان موضع المقام في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس في المسألة حديث مرفوع أقوى من هذا الحديث، وقد جاء عن بعض التابعين ما يدل على ما دل عليه حديث هشام بن عروة، وعن بعض التابعين ما يدل على خلاف ذلك، وكلها مراسيل.

ولمزيد البحث في هذه المسألة ينظر: أخبار مكة للأزرقي2/ 33 - 36، وأخبار مكة للفاكهي 1/ 442 - 443 و1/ 454 - 457، مغازي الواقدي 2/ 832، طبقات ابن سعد 3/ 284، مصنف عبد الرزاق 5/ 47 - 48، فضائل الصحابة للإمام أحمد 1/ 324، القِرى لقاصد أم القُرى ص344 - 347، تفسير ابن كثير 1/ 417 - 418، فتح الباري لابن رجب الحنبلي 3/ 82 - 85، فتح الباري لابن حجر: 1/ 595 و8/ 19، وقارن بين الموطنين، شفاء الغرام 1/ 332 - 337، مقام إبراهيم للعلامة المعلمي، ونقض المباني من فتوى اليماني وتحقيق المرام فيما تعلق بالمقام لسليمان بن عبد الرحمن بن حمدان، وفتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم 5/ 56 - 132 والله أعلم.

ـ[صالح العقل]ــــــــ[28 - 02 - 07, 02:40 م]ـ

جزاكم الله خيرا، ونفع بكم.

ـ[الدكتور عبدالله الوهبي]ــــــــ[16 - 03 - 07, 06:33 م]ـ

جزاكم الله خيرا أخي صالح.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير