كما ويستخدم في مجال الصناعات الدوائية في تحضير كبسولات الدواء القاسية او اللّدنة والكبسولات الدوائية الدقيقة ويستخدم في انتاج معاجين الاسنان والمراهم والكريمات ولانتاج التحاميل (اللبوسات) الشرجية والمهبلية، لأنه يذوب بفعل حرارة الجسم (انظر الجيلاتين أ. د. وفيق الشرقاوي ص1 - 6، الطعام والشراب بين الحلال والحرام، د. الحواري ص 8 - 10، مشكلة استخدام المواد المحرمة في المنتجات الغذائية والدوائية، أ. د. محمد عبد السلام ص2 - 4).
فما هو الحكم الشرعي لاستخدام الجيلاتين الخنزيري في الأدوية والأشربة والأغذية والمراهم والكريمات وغيرها من سائر وجوه الاستعمال؟
للاجابة عن هذا السؤال لا بد من استعراض اقوال الفقهاء في حكم اجزاء الخنزير من حيث الطهارة او عدمها؟
حيث ذهب جمهور أهل العلم الى القول بنجاسة جميع اجزاء الخنزير.
(انظر شرح فتح القدير لابن الهمام ج1/ص46، 56، 28، الدر المختار، ج1/ص 631، ج5/ص46، بدائع الصنائع للكاساني، ج1/ص22، المجموع للنووي، ج1 /ص 512، مغني المحتاج، للشربيني، ج1ص87، ج 4/ص 992، المغني، لابن قدامة، ج1ص 66، 07، 28، الكافي، ج1 /ص 41، 984).
والدليل على نجاسة الخنزير، قوله تعالى: {قل لا أجد فيما أوحي اليّ محرما على طاعمٍ يطعمه الا ان يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به} سورة الانعام: 541.
وجه الاستدلال من الآية:
الرجس: هو القذر والنجس، (انظر: لسان العرب لابن منظور، ج7/ 893).
والضمير في قوله تعالى (فإنه) يعود الى أقرب مذكور اليه، وهو المضاف اليه (الخنزير)، كما قال ابن الهمام (انظر: شرح فتح القدير، ج1/ص56).
وبناء على ذلك اتفق الفقهاء على حرمة تناول اجزاء الخنزير المختلفة في حال الاختيار، فلا يحل تناول لحمه او شحمه او جلده او عظمه او عصبه او غضروفه او حشوته او مخه او رأسه او اطرافه او لبنه وغيرها من سائر اجزائه، (انظر: فتح القدير لابن الهمام ج1/ص46، شرح منح الجليل، ج1/ص006، مغني المحتاج، ج4/ص992، الكافي، ج1 /ص984، المحلى لابن حزم، ج7ص883).
ولكن اذا تحولت المواد المستخلصة من جلد الخنزير وعظامه بطرق كيميائية الى مادة اخرى كالجيلاتين فهل تطهر في هذه الحالة؟
هذه العملية تسمى لدى الفقهاء (بالاستحالة) وهي تعني في عرف الفقهاء: تغير العين النجسة واقلاب حقيقتها الى حقيقة اخرى كانقلاب الخمر خلا، والخنزير ملحا، (انظر: رد المحتار، ج1/ص012).
والراجح من اقوال الفقهاء ان نجس العين يطهر بالاستحالة وهو المفتى به لدى الحنفية وجمهور المالكية وابن تيمية والظاهرية (انظر: البحر الرائق لابن نجيم، ج1/ص932، رد المحتار، ج1/ص012، فتح القدير ج1/ص761، شرح الخرشي، ج1 /ص88، الشرح الكبير، للدردير ج1/ص05، القوانين الفقهية، ص43، مجموع فتاوى ابن تيمية،ج12،ص86، المحلى، لابن حزم، ج1 /ص661 - 761).
وذلك لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفي الحقيقة بانتفاء بعض اجزاء مفهومها، فكيف بالكل، فإن الملح الذي صار إليه الخنزير او الميتة الواقعان في مملحة غير العظم واللحم، فاذا صار ملحا ترتب حكم الملح، فاستحالة العين تستتبع زوال الوصف المترتب عليها.
(انظر: البحر الرائق -لابن نجيم، ج1/ص75).
والآن نبين حكم تناول الأغذية والأشربة والأدوية المحتوية على جيلاتين الخنزير وشحمه:
بينت فيما سبق ان الاعيان النجسة تطهر بالاستحالة، على الراجح من اقوال الفقهاء شريطة ان تكون الاستحالة كاملة لا جزئية.
فهل جلد الخنزير وعظمه وشحمه الذي يستخلص من الجيلاتين يستحيل استحالة كاملة أم جزئية؟
يقول الكيميائيون: ان الجيلاتين الخنزيري المستخلص من جلد الخنزير وعظامه بطرق كيميائية لا يستحيل استحالة كاملة انما يستحيل استحالة جزئية بحيث يمكن بطريقة التحليل الطيفي التعرف على اصل الجيلاتين المستخلص من جلود وعظام الخنازير بعد العمليات الكيميائية المختلفة التي يتم بها استخلاصه.
(انظر: مبحث اعلامي حول الاستغناء عن المحرمات والنجاسات في الدواء، د، ابو الوفاء عبد الآخر ص91)، وبناء على ذلك قرر المجلس الاسلامي للافتاء في الحركة الاسلامية في جلسته المنعقدة يوم الأحد 6/ 2/5002م، انه لا يجوز تناول الاطعمة والاشربة والكريمات والادوية وغيرها من المواد المحتوية على جيلاتين الخنزير وشحمه في حال الاختيار، لاشتمالها على نجس، كذلك نظرا لامكان استخلاص الجيلاتين من جلود وعظام الحيوانات المذكاة شرعا فلا ضرورة ولا حاجة الى استخلاصه من جلود وعظام الخنازير لتوفر البديل المباح الذي يفي بالحاجة، وهذا القرار قد صدر من مجلس مجمع الفقه الاسلامي بجدة في دورته الثالثة المنعقدة في عمان من 11 - 61/ 01/6891: (يمنع المسلم من استعمال الجيلاتين المأخوذ من الخنازير في الغذاء استغناء بالجيلاتين المتخذ من الحيوانات المذكاة شرعا، وهذا يقتضي منع استخدامه في الدواء كذلك لهذا البديل المباح).
كذلك جاء في الندوة الفقهية الطبية الثامنة بالكويت: 22 - 42/ 5/5991 (المراهم والكريمات ومواد التجميل التي يدخل في تركيبها شحم الخنزير نجسة ولا يجوز استعمالها شرعا، الا اذا تحققت فيها استحالة الشحم وانقلاب عينه) وهذا غير متحقق كما يقول الكيميائيون.
والله تعالى أعلم
المجلس الاسلامي للافتاء
الحركة الاسلامية
¥