تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

على أننا، هنا، لن نتتبع ما كان لهذه الدعوة من آثار في الأقطار المذكورة، وإنما يهمنا منها، أي الدعوة، ما تعلق بقطر آخر هو المغرب الأقصى؛ غير أننا قبل أن نرصد أصداءها في هذا القطر يحسن بنا أن نعني بتحديد (تواريخ) وصولها إليه، واستجلاء ملابساته.

ومجموع ذلك هو ما سنجتهد لبلورته في الفقرات التالية:

أ - تواريخ وصولها:

متى ترددت أصداء دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية في المغرب؟ ومن حاملو أخبارها وأدبياتها الأول إلى هذا القطر النائي عن مكان ظهورها؟ أكانوا من المغاربة أنفسهم؟ أم كانوا من أهل الجزيرة؟ وهل كانوا من أشياعهم أو كانوا من المناهضين لها؟

بالنظر إلى ما نتوفر عليه من معلومات مستقاة من كتب التاريخ والتراجم ومن نصوص وثائق ورسائل تتعلق بالدعوة، يمكن القول بأن وصول أخبار هذه الدعوة وأدبياتها إلى المغرب تم على مراحل، كانت بواكيرها، فيما نقدر، في العقود الأولى من النص الثاني من القرن الثامن عشر، أي بعد نشأة الدعوة بعقدين أو يزيد قليلاً، وكانت أواخرها في العقد السابع من القرن التاسع عشر، وهو العقد الذي وصل فيه إلى المغرب أبو الحسن علي بن طاهر الوتري المدني، وألف، خلاله، رسالته في نقد الدعوة.

ويمكن تصنيف المراحل آنفة الذكر على النحو التالي:

1 - مرحلة الرواية الشفوية.

وقد تزامنت مع عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله (1171 - 1204 هـ / 1757 - 1790 م). ومع أن الدعوة لم تستطع أن تغادر مهدها إلا بعد فترة غير قصيرة من ميلادها إلا أن ذلك لم يكن ليحول دون تسرب أخبارها ومقولاتها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة في مواسم الحج. ومع أن رحلات الحج المغربية المكتوبة في تلك الفترة يلوذ بعضها بالصمت إزاء الدعوة الجديدة، ويكتفي بعضها بالإشارة السريعة إليها فإن هذا ليس يمنع أن يكون غير أصحاب الرحلات المدونة من الحجاج نقلوا بالرواية الشفوية بعض أخبار الدعوة وبعض مقولاتها وتحدثوا بهذه وتلك بعد عودتهم إلى بلدانهم. ولعلنا أن نستأنس في دعم هذا بما عرف عن سلطان المغرب يومئذ سيدي محمد بن عبد الله من تعلق بالعقيدة الحنبلية حمله على مهاجمة كتب الأشاعرة ومحاربة بعض الزوايا.

2 - مرحلة الرواية المكتوبة.

وفيها وصلت أخبار الدعوة ومقولاتها عن طريق الوثائق والوسائل، فبينما توالت الرواية الشفوية من قبل الحجاج في نقل ما تعرفه الدعوة الناشئة من وقائع، وما تشيعه من مبادئ، وما تواجهه من عراقيل، وجدنا بعض الحجاج، وخاصة العلماء منهم، يعودون إلى المغرب وهم يحملون معهم وثائق ورسائل تتضمن مبادئ الدعوة وتشرح أهدافها. ومن أولئك الحجاج الفقيه أحمد بن عبد السلام بناني الذي ذكر في كتابه (القيوضات الوهبية) أنه حمل معه بعد عودته من الحج عام 1803 م رسالتين تتعلقان بالدعوة الوهابية. وذكر كذلك أن الكبرى من الرسالتين تقع في نحو كراسة والصغرى في نحو ورقتين، كما ذكر أن الرسالتين وقعتا معاً بيد (الإمام الأوحد عالم السلاطين وسلطان العلماء أمير المؤمنين سيدنا سليمان ابن مولانا محمد) (6).

3 - مرحلة الرواية (الرسمية).

ونعني بها رسالة الإمام سعود بن عبد العزيز التي وصلت المغرب سنة 1811 م متضمنة مبادئ الدعوة وغاياتها. وفي المصادر (7) التاريخية أن هذه: الرسالة بعثت في أصلها إلى علماء تونس، وحول هؤلاء نسخة منها إلى علماء المغرب للنظر فيها والرد عليها. وهذا نص الناصري في الموضوع (ولما استولى ابن سعود على الحرمين الشريفين بعث كتبه إلى الآفاق كالعراق والشام ومصر والمغرب، يدعو الناس إلى اتباع مذهبه والتمسك بدعوته. ولما وصل كتابه إلى تونس بعث مفتيها نسخة منه إلى علماء فاس ... ) (8).

ويغلب على الظن أن هذه الرسالة نفسها، أو رسالة أخرى بمعناها، وجهت من قبل الإمام سعود إلى سلطان المغرب المولى سليمان.

ويقوي هذا عندنا أمران:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير